-

بليغ حمدي (1932 – 1993)

(اخر تعديل 2024-09-09 15:29:20 )
بواسطة

تمر في شهر سبتمبر من كل عام، ذكرى رحيل ملحن عظيم. قدم بليغ حمدي ألحانًا جميلة تجعلك تذوب من السعادة وأنت تستمع لها، وتعاون مع كبار النجوم خلال مسيرته الفنية وعاشت ألحانه لسنين طويلة على الرغم من رحيله.

فترة الطفولة والشباب

ولد بليغ حمدي في السابع من أكتوبر عام 1932، بحي شبرا بالقاهرة. كان والده أستاذًا للفيزياء في جامعة الملك فؤاد الأول المعروفة الآن باسم جامعة القاهرة. كان بليغ حمدي مقتنعًا أثناء طفولته بأن المهنة الوحيدة الممكنة له ستكون الموسيقى. تعلم العزف على العود في سن التاسعة. في سن الثانية عشر حاول الالتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقي إلا أن سنه الصغير حال دون ذلك. ثم التحق بمدرسة شبرا الثانوية.

تعلم الموسيقى خلال سنوات الطفولة والمراهقة على يد مجموعة مختلفة من المعلمين. وبجانب دراسته واصل تعلم الموسيقى على يد سيد درويش الحريري. بدأ دراسة القانون بعد التحاقه بكلية الحقوق وتعلم المزيد عن الموسيقى عندما التحق بشكل أكاديمي بمعهد فؤاد الأول للموسيقى، معهد الموسيقى العربية حاليا.

مسيرة بليغ حمدي الفنية

كانت علاقة بليغ حمدي بفنانين عصره الكبار منهم والصغار علاقة قوية وطيدة، اكتشف العديد من الفنانين منهم:

  • الفنان علي الحجار.
  • محمد الحلو.

لحن للفنانة سميرة سعيد في بداية مشوارها، وآمن بموهبة عفاف راضي. رغم صلته بالفنانين الصاعدين لم يبتعد عن الكبار ومنهم صديقه الفنان عبد الحليم الذي قدّم إليه باقه من الأغاني منها:

  • “سواح”.
  • “عدّى النهار”.
  • أغنية “توبة”.

وكذلك أم كلثوم قدّم لها:

  • “بعيد عنك”.
  • “فات الميعاد” وغيرهم.

شارك فنانين آخرين، مثل الفنان محمد رشدي وصباح ونجاة الصغيرة وشادية وكان سبب غناء سهير البابلي بعد إيمانه بجمال صوتها، حتى أنه ترك بصمته مع الشيخ سيد النقشبندي وعملا معًا بطلب من الرئيس الأسبق محمد أنور السادات.

الإذاعة

بدأ بليغ حمدي مشواره الفني بعدما تم قبوله كمغني في الراديو. سجل وقتها بليغ 4 أغنيات للإذاعة، لكن بليغ حمدي كان مهتمًا بالتلحين أكثر من أي شكل آخر للموسيقى وسرعان ما تحول إلىه. حصلت مؤلفاته على قبول جيد في منتصف الخمسينيات، فلحَّن أغنيتين لفايزة كامل “ليه فاتني ليه” و”ليه لأ” كما لحن أغنية “ما تحبنيش بالشكل ده” لفايزة أحمد.

بعد أن توطدت علاقة بليغ مع الموسيقار محمد فوزي، أعطاه فوزي فرصة التلحين لكبار المطربين والمطربات من خلال شركة “مصر فون” التي كان يملكها فوزي في ذلك الوقت. تعاون بليغ حمدي مع الفنان عبد الحليم حافظ خلال العديد من الأغاني أولهم أغنية “تخونوه” وغيرها، كما عرَّفه فوزي على الست أم كلثوم.

لقاء بليغ وأم كلثوم

كانت أم كلثوم في هذه الفترة تحاول الخروج قليلًا عن ألحان السنباطي وطلبت من محمد فوزي أن يلحن لها، إلا إنه اعتذر عن طلبها بكل لباقة وقال لها “عندي ليكي حتة ملحن يجنن، مصر هتغني ألحانه أكتر من 60 سنه قدام.”

أول لقاء جمع بليغ حمدي وأم كلثوم كان في حفلة في منزل الدكتور زكي سويدان. أمسك بليغ العود وبدأ في تلحين أول كوبليه جالسًا على الأرض وسط ذهول الحاضرين. فما كان من الست إلا أن فعلت مثله وجلست بجواره وطلبت منه أن يكمل اللحن. وقد كان، وخرجت أغنية “حب ايه” في ديسمبر 1960، وحققت نجاحًا كبيرًا خلال العقدين التاليين.

من أشهر المواقف في حياة بليغ هو ما حدث عند تلحين أغنية “أنساك”، فقد كانت الكلمات في بيت محمد فوزي لتلحينها وأثناء وجود بليغ حمدي عنده، انشغل فوزي بضيوفٍ كانوا عنده. وقع نظر بليغ على الكلمات بالصدفة فجلس يدندن الكلمات ولحن الأغنية. عندما سمع فوزي اللحن هاتف أم كلثوم وأخبرها أن بليغ لحن الأغنية أفضل مما كان سيفعل.

لحن بليغ حمدي للست العديد من الأغاني مثل:

  • “فات الميعاد”.
  • “ألف ليلة وليلة”.
  • “ظلمنا الحب”.
  • كانت أغنية “سيرة الحب” أقرب أغنية لقلبه لحنها لأم كلثوم.

“اقرأ أيضًا: لودفيج فان بيتهوفن (1770 -1827)

تعاوُن بليغ مع العديد من الفنانين

تعاونت المطربة المغربية سميرة سعيد مع الملحن بليغ حمدي في الكثير من الأغاني مثل:

  • “مساء الجمال”.
  • “قالوا عنا كتير”.
  • “نبتدي الحكاية”.
  • “أحلام الأميرة”.
  • “علمناه الحب”.

في العشر سنين الأخيرة من حياته انشغل بليغ حمدي بالتلحين للفنانة ميادة الحناوي، ومن أشهر ألحانه لها “أنا بعشقك” و”الحب اللي كان”. كان يرى بليغ أن أصالة نصري ستكون أم كلثوم العصر الحديث، ولحن لها أغنية “حلم عميق”. اهتم بليغ حمدي بالمسرح الغنائي، حيث قدم العديد من المسرحيات الغنائية والاستعراضية أهمها:

  • تمر حنة.
  • مهر العروسة.
  • ياسين ولدي.

الشئ الذي ميز ألحان بليغ حمدي عن غيره من الملحنين كان بساطة ألحانه، وهذا ما جعله الأكثر شهرة ونجاحًا وإنتاجًا في العالم العربي، فجميع المطربين الذين عملوا معه مدينون له بواحدة أو أكثر من أعظم أغانيهم.

تعاون النقشبندي مع بليغ حمدي

لتعاون النقشبندي مع بليغ حمدي قصة طريفة، ففي حفل خطبة ابنة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والذي كان يحرص على وجود إنشاد ديني في الحفلات التي يحضرها. أشار السادات لبليغ حمدي ووجدي الحكيم، قائلًا “افتحوا الإذاعة أنا عايز أسمع النقشبندي مع بليغ.”

وبعد أيام ذهب النقشبندي لمبنى الإذاعة بصحبة وجدي الحكيم، وظل النقشبندي يردد: “على آخر الزمن يا وجدي، يلحن لي بليغ”، بسبب اعتقاده أن بليغ سيلحن له لحنًا لن يتناسب مع جلال وقدر الكلمات التي ينطق بها في الأدعية والابتهالات. حاول الإعلامي الكبير تهدئته، وفكر الشيخ النقشبندي في الاعتذار عن هذا العمل. لكن الحكيم اتفق معه أن يستمع لبليغ أولًا، وإذا لم يُعجبه اللحن وقتها يرفض الاستمرار.

بعد نصف ساعة من جلوس النقشبندي مع بليغ حمدي داخل الاستوديو. دخل وجدي الحكيم فإذا به يجد الشيخ يصفق قائلًا: “بليغ ده عفريت من الجن.” ثمرة هذا التعاون كانت 6 ابتهالات. قال عنها النقشبندي في حديث له “لو مكنتش سجلتهم مكنش بقالي تاريخ بعد رحيلي”، ومن بين أشهر الابتهالات التي تعاونا فيها “مولاي إني ببابك”.

وردة في حياة بليغ

أحب بليغ وردة الجزائرية، وتم الزواج بينهما عام 1972 وخلال هذه الفترة لحن لها الكثير من الأغاني لعل أبرزها “العيون السود”، “خليك هنا”، “ليالينا”، و”أحبك فوق ما تتصور” وغيرهم من الأغاني. رغم حبه الشديد لها إلا أن رغبته في الحرية والسفر والموسيقى كانت تمنعه عن الالتزام بطقوس الزواج وعاداته.

عاش بليغ حمدي حياة بوهيمية نوعًا ما فكان يسافر فجأه ويختفي دون إخبارها عن مكانه، يعبر عن رغبته في أن يكون أبًا، ينسى كثيرًا، ينشغل بألحانه وموسيقاه، ثم يعود ويكرر رغبته في الحصول على طفل، وتنزعج وردة من كل هذا، فيعدها بليغ بالتغيير. في الوقت الذي أدركت فيه وردة أنها لن تستطيع أن تكمل حياتها بهذه الطريقة، انفصلا وفشلت الوسطات في مصلاحتهما.

بليغ حمدي وزوجته الفنانة وردة الجزائرية

حب بليغ حمدي لمصر

يُعد بليغ حمدي من أكثر الموسيقيين تلحينًا لمصر، كما كتب وغنى بعض الأغاني لمصر بنفسه منها “عدى النهار” التي أصبحت رمزًا لفترة النكسة، و أغنية “علي الربابة بغني” من غناء الفنانة ورده الجزائرية أصبحت بعدها رمزًا لحرب أكتوبر، لكن أشهر أغانيه الوطنية هي اغنيه “يا حبيبتي يا مصر” من غناء الفنانة شادية.

“اقرأ أيضًا: ما لا تعرفه عن بابلو اسكوبار – Pablo Escobar

بليغ وحرب أكتوبر

لا يمكن أن ننسى ما فعله بليغ حمدي أثناء حرب أكتوبر، حيث ذهب هو ووردة زوجته لمبنى الإذاعة والتليفزيون ولم يكن مسموحًا دخول مبنى الإذاعة لغير العاملين فيه نظرًا لظروف الحرب.

فما كان من بليغ إلا أن هاتف صديقه الإعلامي وجدى الحكيم قائلا “هعملك محضر في القسم يا وجدى عشان مش عاوز تخليني أدخل أعمل أغنية لبلدي” وكان بليغ يتحدث بلهجة جادة فضحك الجميع، وسُمح له بدخول مبنى الإذاعة، وتم تسجيل أغنيتي “على الربابة بغني” و”بسم الله”.

اقرأ أيضًا: رضوى عاشور (1946 – 2014)

قضية سميرة مليان

تنقلب حياة الملحن العظيم رأسًا على عقب بعد وقوع حادث انتحار الفنانة المغربية سميرة مليان في منزله. حيث أنه كان يترك منزله يدخله من يشاء ويرحّب بقدوم القريب والغريب، وكانت سميرة مليان ضمن ضيوفه. في نهاية أحد الاحتفالات التي يقيمها في بيته، سمع صراخ واكتشف أن الفنانة انتحرت من شرفة منزله. لم يتخيل بليغ في البداية أن القضية ستتطوّر لدرجة أن يتم اتهامه بالشروع في الدعارة.

مجرد توجيه مثل هذه التهمة له كانت صدمة كبيرة وقبل أن يصدر الحكم سافر إلى باريس، وبعد يوم من سفره، يصدر الحكم من محكمة الاستئناف بالحبس سنة مع الشغل في قضية تسهيل الدعارة. قضى بليغ عدة سنوات في باريس لم يكن سهلًا عليه أن يبقى بعيدًا عن مصر، حتى أراد المُلحّن العودة إلى مصر، تدّخل الرئيس الأسبق محمد حسني مُبارك وحصل بليغ حمدي على البراءة وعاد إلى محبوبته الأولى مصر.

وفاة بليغ حمدي

في آخر أيامه يسافر بليغ حمدي إلى باريس للعلاج بسبب صراعه مع مرض سرطان الكبد، لكنه لا يزال يفكر في وردة، حبه الأول والأخير.

يختتم بليغ حمدي حياته وذكرياته معها بأغنية أخيرة بعد أن يهاتفها دون أن يخبرها بمرضه، ويقدّم إليها أغنية “بودعك” ورغم قسوة كلمات الأغنية، إلا أنها لبّت طلبه، وأختتم كلاهما قصة الحب بعبارات “بودعك وبودع الدنيا معك.. جرحتني قتلتني وغفرت لك قسوتك .. حبي الكبير هيحرسك في سكتك، الله معك.”

يفارق عالمنا الملحن العظيم في 12 سبتمبر 1993 عن عُمر 62 عامًا، ونعته جريدة الأهرام في اليوم التالي بعنوان “مات ملك الموسيقى”.

رحيل بليغ حمدي أدى إلى شعور بالفراغ الكبير في مجال الأغنية العربية، فهو من أفضل من أنجبت الموسيقى العربية. ربما يكون قد مات “ملك الموسيقى” بجسده، ولكن ستظل ألحانه الفريدة تملأ القلوب وتمنح المحبين أجمل اللحظات.