-

رهاب الغرباء (الزينوفوبيا)

(اخر تعديل 2024-09-09 15:29:20 )
بواسطة

يلجأ الكثير من الأشخاص إلى الحديث عن خوفهم من اللقاءات مع الغرباء، مبررين حالتهم هذه بما يسمى الزينوفوبيا، فما هي خصائص الزينوفوبيا وأنواع وآثار رهاب الغرباء على المجتمع؟

ما هو رهاب الغرباء؟

كراهية الغرباء، أو الخوف من الغرباء، أو ما يدعى بالزينوفوبيا؛ هو مصطلحٌ واسعٌ يمكن تطبيقه على أي خوف من شخص أو عادات وتقاليد مختلفة عنا. وغالبًا ما تبرر حالة العداء هذه برد فعلٍ ناتجٍ عن الخوف. وتنطوي على الاعتقاد بأن هناك صراعًا بين المجموعة التي يتبع لها الفرد، والمجموعة الأخرى التي يهابها.

كثيرًا ما تتداخل الزينوفوبيا مع بعض أشكال التحيّز، بما في ذلك التحيّز العنصري ورهاب المثلية الجنسية؛ إلا أن هناك فروقًا هامة بينها. وحيثما تستند العنصرية ورهاب المثلية الجنسية وأشكال أخرى من التمييز إلى خصائص محددة، فإن رهاب الغرباء عادة ما يدور حول تصوّر أعضاء المجموعة الخارجية غرباء عن المجتمع المحلي.

يشتق مصطلح زينوفوبيا (Xenophobia) من اليونانية. إذ تعني كلمة phobos الخوف، في حين تعني xenos الغريب أو الدخيل.

خصائصه

في حين يمكن التعبير عن مشاعر الخوف والكراهية هذه بأشكال عديدة، إلا أنه يمكن إطلاق بعض الخصائص والعلائم النموذجية على هذا النوع من الرهاب، والتي نذكر منها:

  • الشعور بعدم الارتياح حول الأشخاص المنتمين إلى مجتمع مختلف.
  • الميل إلى تجنب التواجد في الأماكن الغريبة.
  • رفض تكوين الصداقات مع الناس لمجرد اختلافهم في لون البشرة، أو طريقة اللباس، أو عوامل خارجية أخرى.
  • تجنب التواصل مع أي شخص ينتمي إلى مجموعات عرقية أو ثقافية أو دينية أخرى.

الزّينوفوبيا بين الاضطراب العقلي والكره

الزينوفوبيا بين الاضطراب العقلي والكره

بالنظر إلى أنفسنا، ومجتمعنا، وبيئتنا، قد نجد أننا جميعًا نعاني من رهاب الغرباء. إذ يخشى كلاً منّا الاختلاط بأناسٍ غرباء، بل ويفضّل التعامل مع أبناء جلدته وثقافته. وفي الواقع، فإن معظم الناس الذين يعتقدون أنهم يعانون من رهاب الغرباء يعتقدون ذلك خطأً. إذ يميل معظمنا إلى تبرير الكره المتفشي في داخله بطريقة ما، بعيدًا عن إحساسه بالذنب. لذا نميل إلى استخدام مصطلح رهاب الغرباء لوصف الكره والخوف من الأجانب والمهاجرين وأبناء المجتمعات الأخرى.

لا أنوي بهذا القول أننا قاطبة مخطئون، فمظمنا نشأ وفق تعاليم معينة، فرضت عليه نمط تفكيرٍ محددًا. فعادة ما يعتقد الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات أن ثقافتهم أو أمتهم متفوقة على غيرها، لذا يفضلون إبعاد الغرباء عن مجتمعهم. ولست أقول أيضًا أن هذا الأمر مبررٌ وصحيحٌ، بل على العكس تمامًا.

بعيدًا عن نقاشنا هذا، لننظر للأمر نظرة علميةً لندرك عمّا نتحدث. علميًا، لا يعتبر رهاب الغرباء كأحد الاضطرابات العقلية في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات والأمراض العقلية. غير أن بعض علماء النفس والأطباء النفسيين اقترحوا الاعتراف بالعنصرية والتحيز الشديدين باعتبارهما مشكلةً تتعلق بـ الصحة العقلية.

وقد جادل البعض بأنه ينبغي اعتبار الأشكال المتطرفة من التحيز نوعًا فريدًا من الاضطراب الوهمي. مع الأخذ بالاعتبار أن أولئك الذين يؤيدون وجهة النظر هذه يجادلون أيضًا بأن التحيز لا يصبح مرضيًا إلا عندما يخلق اضطرابًا ما في قدرة الشخص على أداء أعماله اليومية الطبيعية. في حين يجادل مهنيّون آخرون بأنّ تصنيف رهاب الغرباء أو العنصرية كمرض عقلي من شأنه أن يعتبر مشكلة اجتماعية.

أنواع رهاب الغرباء

لا بدّ أن الأمر بدأ يصبح مقلقًا عند الحديث عن وجود أنواع من هذه الاضطراب! يقسم العلماء النفسيون أنواع رهاب الغرباء إلى نوعين مختلفين لتصنيف كل حالة منهما على حدا، ويتمثل هذان النوعان في:

الزينوفوبيا الثقافية

ينطوي هذا النوع على رفض الأشياء، والتقاليد، والرموز المرتبطة بمجموعة ما كالملابس والموسيقى وغيرها من التقاليد الثقافية والاجتماعية.

زينوفوبيا الأجانب

يتمثل هذا النوع في رفض الأشخاص الذين لا يعتقد الفرد أنهم ينتمون إلى مجتمعه، كرفض الأشخاص الذي ينتمون إلى أديان أو جنسيات أخرى. ويعتبر هذا النوع الأخطر، فقد ينمّي روح الاضطهاد والعداء، وقد تصل آثار رهاب الغرباء حدّ الإبادة الجماعية.

من الطبيعي -وربما الغريزي- الرغبة في حماية مصالح الجماعة عن طريق القضاء على التهديدات التي تعترض هذه المصالح. إلا أنه ولسوء الحظ، فإن هذا الفعل الغريزي غالبًا ما يجعل أعضاء المجموعة يتجنبون أو حتى يهاجمون أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم مختلفون، حتى لو لم يشكلوا أي تهديد يذكر.

آثار رهاب الغرباء المجتمعية

لا تؤثر الزينوفوبيا على الأفراد فقط، بل تؤثر على المجتمعات ككل، لتتماهى أعراضها في المجتمع، وتؤثر على مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتاريخية. وتتجلى أبرز أمثلتها في أعمال التمييز والعنف ضد المهاجرين اللاتينيين والشرق أوسطيين. ومن المؤكد أنه ليس كل من يكره الأجانب والغرباء يشنّ الحروب أو يرتكب الجرائم. إلا أن الكراهية المبطنة لا تقلّ شأنًا عن أعمال العنف، إذ يمكن أن يكون لها آثار خفيةٌ على المجتمع والأفراد.

يمكن لهذه المواقف أن تزيد من صعوبة حياة الناس وتمازجهم مع مجموعات معينة داخل مجتمع ما، كما ويمكن أن تؤثر على جميع جوانب الحياة اليومية كفرص الحصول على السكن، أو فرص العمل، أو حتى إمكانية الحصول على الرعاية الصحية.

عادة ما يواجه مرضى الإضرابات النفسية أعراضًا ظاهرة. مثلا يعاني مصابو الكولروبوفوبيا (رهاب المهرجين) من أعراضٍ متمثلة في الغثيان والتعرق وضيق التنفس حال رؤية مهرج، أو إعلانات سيرك، وحتى مجرد بدلة مهرج في أحد المحال؛ وربما ينتابهم الهلع من قراءة كلمة مهرج في إحدى صفحات المجلات. لذا من غير المستحيل ظهور أعراض سريرية وونتائج مختلفة لاضطراب الزينوفوبيا تتمثل في القلق والغثيان وغيرها.

الزينوفوبيا في العالم الحقيقي

تنتشر الزينوفوبيا في مختلف أصقاع العالم، والتي يمكن تمثيلها بكثير من المواقف المختلفة. فيمكن طرح مثال قانون الاستبعاد الصيني عام 1882، أو الحملات المعادية للإسلام في أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر.

كما يمكن أن تتجلى في الكثير من الأمثلة المختلفة التي نذكر منها:

  • تعلم اللغات الأجنبية:

قد تتضارب آراؤك وآراء زملائك أو أحد أفراد أسرتك حول اللغة التي ستتعلمها. فيعتقد البعض منهم أن تعلّم اللغة الصينية مثلًا غير مناسب لك، وأن عليك تعلم اللغة الانجليزية.

  • طلب العشاء:

ربما تخرج مع صديق لك على العشاء، وهنا يدور النقاش بينكما حول اختيار المطعم. فقد يختار أحدكما المطعم التايواني، فيما يعتقد الآخر أنه خيار غير مناسب ويقول أن المطعم الآسيوي أفضل.

  • الإسلاموفوبيا:

وهي كما ذكرت سابقًا، خوف البعض من المسلمين نتيجة بعض الأعمال الإرهابية التي ارتبطت ببعض المسلمين. على الرغم من قيام الكثير من الأشخاص من الأديان الأخرى بأعمال مماثلة.

الارتباط بين الزينوفوبيا والعنصرية

يرتبط مفهوم العنصرية بالاعتقاد بأن الخصائص الجسدية كلون البشرة ونوع الشعر تحدد سمات شخص ما وقدراته وجماليته. واعتبار الأشخاص ممن يملكون سمات عرقية مرغوبة متفوقين على أولئك الذين يفتقرون إلى تلك السمات. وتنطوي العنصرية أيضًا كممارسة على اضطهادٍ منهجيٍّ للجماعات التي تعتبر أقل شأنًا.

ففي حين أن كراهية الغرباء والعنصرية مفهومان متقاطعان، فإن رهاب الغرباء لا يركز على الخصائص الجسدية أو السلوكية أو قدرات مجموعة معينة من الناس.

علاج ومكافحة رهاب الغرباء

يمكن أن تساعد بعض الاستراتيجيات على مواجهة رهاب الغرباء، ومن أبرزها:

  • محاولة تقبل الآخرين.
  • الاعتراف بالاختلافات.
  • إجراء محادثات مفتوحة مع الأطفال لتوعيتهم حول أهمية الاختلاف في المجتمع.
  • الحصول على الدعم الطبي.

في الختام، يمكننا القول أنه لا مبرر من الوقوع في زيف هذه المخاوف، بل ويجب تشجيع الجميع على الاختلاط بالمجتمعات والانفتاح على تقبل الآخرين على اختلافهم واختلاف معتقداتهم، والاطلاع الطبي والتعرف على مختلف أنواع وآثار وخصائص رهاب الغرباء.