متلازمة مونخهاوزن (Munchausen syndrome)؛ غالباً لاحظ البعض منا بأن أحدهم دائم الشكوى من ألم ما في جسده، مدعياً المرض والضعف. ذلك رغم عدم ظهور أي أعراض مرضية عليه. على الأرجح ذلك الشخص مصاب بمتلازمة مونخهاوزن، والتي يتحدث عنها هذا المقال. تعرف معنا إلى أنواعها وسلوك مرضى هذا الاضطراب، وسنكتشف هنا أيضاً أسبابها وأبرز 8 أعراض لها، كذلك تشخيص وعلاج هذه المتلازمة.
تعريف بمتلازمة مونخهاوزن
تعتبر هذه المتلازمة من الاضطرابات النفسية النادرة، والتي تكون شائعة بين النساء أكثر من الرجال. تتمثل تلك المتلازمة في كون المصاب بها يتظاهر بالمرض والوهن والضعف، ويدعي دائماً بأنه مصاب بمرض ما في جسده أو في عقله. ذلك بالرغم من كونه غير مريض أساساً، وذلك رغبة منه في جذب ولفت انتباه الآخرين لكي يعتنوا به، ويكون مركزاً للاهتمام.
يجب التنويه على أنه هناك فرق بين ادعاء المرض للتهرب من المسؤوليات أو أخذ إجازة مرضية، وبين متلازمة مونخهاوزن. فمرضى متلازمة مونخهاوزن يفعلون ذلك من دون أسباب واضحة ومحددة، فهم أنفسهم ربما لا يفهمون لما يتصرفون بتلك الطريقة. إنهم فقط يتصرفون بتلك الطريقة غير مدركين أنهم مرضى نفسيين بحاجة للعلاج. يتم إدراج المتلازمة تحت “الاضطراب المفتعل”.
لقد اكتسبت تلك المتلازمة اسمها في القرن الثامن عشر من ضابط ألماني يدعى “بارون فون مونخهاوزن”. الذي كان شهيراً بتلفيق روايات وقصص كاذبة عن بطولاته ومغامراته في الحرب. منذ ذلك الحين كان يطلق على كل من يقوم بتلفيق الأساطير أو بتلفيق مرضه بأنه مصاب بمتلازمة مونخهاوزن. كما أن المتلازمة يطلق عليها أيضاً “اضطراب إدمان المستشفيات”، لأن المصاب يكون دائم التردد على المستشفيات بداعي المرض.
أعراض متلازمة مونخهاوزن
تتنوع أعراض متلازمة مونخهاوزن وتتراوح بين الطفيفة والمتطرفة كما يلي:
- تظاهر المريض بأنه هناك ألم في عضو من أعضاء جسده، مثل ألم في الصدر أو ألم في المعدة.
- يدعي المريض بأنه يرى أو يسمع أشياء غير موجودة.
- يؤذي المريض نفسه بجروح وندبات في جسده لتلفيق مرضه.
- لدى المريض تاريخ حافل في زيارة المستشفيات، فهو يحب زيارة الكثير من الأطباء.
- يقوم المريض بتلفيق أعراض مرض جديدة بعدما يأخذ العلاج المناسب لأعراضه السابقة أو يعاند بأنه لا يزال مريضاً.
- تنتاب المريض رغبات ملحة في أن يجري عمليات جراحية غير ضرورية، قد تشكل خطراً على حياته.
- يغير المريض في نتائج الفحوصات الطبية، أو يقوم بالعبث في لون البول أو الدم، وذلك لإثبات مرضه.
- الإفراط في تناول الأدوية.
مضاعفات متلازمة مونخهاوزن
بسبب تصرفات المرضى المبالغ فيها، فإنهم يتعرضون لمخاطر تهدد حياتهم واستقرارهم وهي:
علاقة مونخهاوزن بالوفاة
بالرغم من أن الموت نادر بسبب تلك المتلازمة، إلا أنه ممكن، وذلك لأسباب منها تعريض المرضى أنفسهم لعمليات جراحية غير ضرورية، يمكنها أن تهدد صحتهم لفترات زمنية طويلة. حتى أن تلك العمليات يمكنها أن تتسبب في فقدان المرضى لأطرافهم أو أعضائهم. كذلك فإن المريض يعرض نفسه للوفاة أو المشاكل الصحية الخطيرة، بسبب أخذه لكميات كبيرة ومتنوعة من الأدوية المختلفة الغير ضرورية.
المشاكل الحياتية
يؤدي إساءة استخدام الأدوية المتعددة إلى المشاكل الصحية والنفسية المختلفة. فيواجه المريض ضغوطات ومشاكل في الحياة اليومية وفي أماكن العمل وفي العلاقات العامة، ويجد صعوبة في التكيف مع محيطه. من الممكن أن يتجه المريض إلى إدمان شرب الكحوليات التي تزيد الأمر سوءً. كما يمكن أن يصل الأمر لحد محاولة المريض الانتحار كحل لمشاكله.
سلوك مرضى المتلازمة
لدى مرضى المتلازمة تصرفات يمكن ملاحظتها، وتتمثل في الآتي:
- لديهم سجل طبي طويل ومعقد، فهم يقضون سنوات طويلة في التردد على المستشفيات. ولذلك فهم على دراية بالمستشفيات والمصطلحات الطبية وأسماء الأدوية.
- عندما يتم الكشف عن أنهم ليسوا مرضى فعلاً، يرحلوا إلى مستشفى مختلفة أو إلى طبيب آخر.
- بارعون جداً في التظاهر بالمرض لخبرتهم الطويلة.
- يتظاهرون فقط بالمرض عندما يكونوا مع الآخرين، لكي تتم ملاحظتهم.
- دائماً في محاولة لإقناع الآخرين بمرضهم وبأنهم بحاجة للعناية الطبية.
- يرفضوا تماماً فكرة أن يتحدث الطبيب إلى أحد من الأهل أو الأصدقاء، لكي لا يعرف أي معلومات عنهم.
- يستخدمون أسماء مزيفة في كل مرة يزوروا فيها طبيب جديد.
- يعبثون دائماً بالنتائج المخبرية والفحوصات الطبية.
أسباب متلازمة مونخهاوزن
حتى الآن يعتبر السبب الأساسي لمتلازمة مونخهاوزن غير معروف، وذلك لصعوبة تحديده، فليس من الواضح لما يتصرف المرضى بهذه الطريقة. لكن يعتقد الأطباء بأن هناك أسباب معينة يمكنها التسبب في هذا الاضطراب وفقاً لملاحظاتهم تتمثل في:
أنواع متلازمة مونخهاوزن
بالإضافة إلى النوع الاعتيادي للمتلازمة المتمثل في ادعاء المريض لمرضه، فلقد قام الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية بإدراج نوعين آخرين من هذه المتلازمة وهما:
متلازمة مونخهاوزن بالوكالة
لقد تم اكتشاف ذلك النوع لأول مرة عام 1977، وسمي بهذا الاسم لأن المريض هنا ليس هو من يدعي المرض. بل يوكل المرض لأحد آخر مثل طفل صغير أو شخص كبير بالسن. من أمثلة ذلك، بأن تدعي الأم وتصمم بأن ابنها مريض بالرغم من أنه ليس كذلك. فتظهر عليها أعراض اضطراب مونخهاوزن الاعتيادية، وتتردد بابنها إلى المستشفيات المختلفة، وتعبث بالتحاليل والفحوصات الطبية. وأشارت الإحصائيات إلى أن %85 ممن هم مصابون بذلك النوع من المتلازمة هم من النساء، خاصة الأم.
غالبا يظهر ذلك النوع بين الأزواج المنفصلين، عندما يكون هناك أحد الوالدين فقط مع الطفل، ولكن استبعد الأطباء فكرة تشخيص أحد بهذا النوع من المتلازمة لفترة طويلة. ذلك اعتقاداً منهم أنه من غير المحتمل أن تؤذي الأم ابنها، أو ابن لوالده الكبير في السن مثلاً. عامة تعتبر تلك الحالة من أنواع الإساءة الغير متعمدة للأطفال وكبار السن.
متلازمة مونخهاوزن عن طريق الانترنت
من المعروف أن الانترنت مكان لكثير من المجموعات المتخصصة في الأمراض. مثلاً مجموعة خاصة بمرض السرطان، يتشارك فيها أفرادها خبراتهم ويتحدثون عن طرق العلاج المختلفة. فما يفعله مريض متلازمة مونخهاوزن هنا هو أنه يدخل لتلك المجموعات ويبدأ بالشكوى من أعراض مرضية كثيرة. وذلك بالطبع بغرض لفت انتباه أعضاء المجموعة إليه. كما ويتسبب في فوضى وقلق في تلك المجموعات.
تشخيص متلازمة مونخهاوزن
يعتبر تشخيص متلازمة مونخهاوزن صعب جداً، فمرضى هذه المتلازمة بارعون للغاية في ادعاء المرض. غير أنهم يتسببون بالأذى لأنفسهم من الأساس، بالتالي من الصعب كشفهم. بسبب سجلهم الطبي الحافل والطويل، فمن المستحيل تقريباً معرفة معلومات كافية عن تاريخهم الطبي. لكن هناك علامات تظهر على مريض مونخهاوزن تجعل الطبيب يشك في إصابته بتلك المتلازمة، بالتالي يحيله إلى طبيب نفسي. ومن تلك العلامات ما يلي:
- التاريخ الطبي للمريض يكون معقد وبلا معنى.
- لا يوجد سبب معين يستطيع الطبيب تحديد أنه هو السبب في إصابة المريض بالمرض الذي يدعيه.
- تظاهر المريض بأعراض مرضية، ليست هي أعراض المرض الذي يدعي بأنه مصاب به من الأساس.
- لا يوجد شفاء ولا تحسن، بالرغم من تلقي المريض العلاج المناسب لمرضه.
- النتائج المخبرية للمريض تكون في حالة تناقض وعدم تناسق.
علاج متلازمة مونخهاوزن
مثلما تشخيص متلازمة مونخهاوزن صعب، فإن علاجها أيضاً صعب، خاصة إذا كانت حالة المريض مزمنة وطويلة الأجل. فالمريض غالباً يرفض تلقي العلاج، وحتى لو تلقى العلاج فإنه يصر على مرضه، فهو يحب فكرة أن يبقى مريضاً.
كما أنه لا يوجد علاج مباشر يتم أخذه لعلاج هذه المتلازمة. بل يتم إعطاء المريض أدوية للسيطرة على أعراض التوتر والاكتئاب الحاد التي تكون مصاحبة عادة للحالة. كذلك العلاج يعتمد أكثر على الكلام مع المريض نفسه.
لكن هناك ميزة هنا وهي أن علاج المتلازمة يكون ناجح من ناحية الأهل والأصدقاء أكثر من ناحية الطبيب. فالعلاج يعتمد أكثر على التحدث مع المريض بعقلانية من أحد المقربين ومحاولة إقناعه بالتخلي عن أفكاره. فالمريض سيسمع كلام المقربين منه والأشخاص الذين يحبهم.
لهذا يعتمد الأطباء في علاج اضطراب مونخهاوزن بنسبة أكبر على الأهل، وإعطائهم النصائح المفترض اتباعها لعلاج المريض. ويتم كل الأمر بالطبع تحت إدارة الطبيب المشرف على الحالة، والنصائح المتبعة لعلاج المريض كالآتي:
أخيراً، يجب القول أن متلازمة مونخهاوزن من الاضطرابات الغير مفسرة حتى الآن، ولذلك إذا كنتم تعرفون من هم مصابون بتلك المتلازمة بالفعل. فيجب التعامل معهم بكل حساسية، كذلك التقرب منهم والتحدث معهم. فهذا من العوامل المفيدة التي تعيد تأهيلهم من جديد.