الثقوب السوداء (Black holes)؛ يحتوي الكون الكثير مما يدل على عظمة الخالق من نجوم وكواكب وغيره. ولعل أغرب ما يمكن تصور وجوده هو الثقوب السوداء. تلك الأجسام الغامضة الغير مرئية التي تسبح في الفضاء. سنكتشف هنا ما هي تلك الأجسام وأنواعها ونشأتها، رصد ورؤية الثقوب السوداء، وكتلة وجاذبية الثقب الأسود.
Please enable JavaScript
تعريف الثقوب السوداء
كلمة ثقوب سوداء في حد ذاتها خادعة، وذلك لأن تلك الأجسام ليست مجرد ثغرات فارغة في الفضاء. بل إنها من أكثر الأجسام الفضائية كثافة وكتلة. فهي عبارة عن كمية هائلة من المادة مضغوطة في مساحة صغيرة. ولاستيعاب الفكرة، تخيلوا مثلاً أن حبة رمل تمتلك نفس كتلة جبل كامل، يبدو تصور الأمر رهيباً فعلاً. ونتيجة لكل تلك الكتلة المضغوطة ينشأ جسم ذو جاذبية رهيبة جداً. ولا يمكن لأي جسم الإفلات من تلك الجاذبية مهما كانت سرعته حتى لو كان الضوء، وهو أسرع ما في الكون.
ويوجد عدة أسباب والتي من خلالها تتولد تلك الكتلة المضغوطة لتكوين هذه الوحوش الكونية، منها موت النجوم. بجانب أن تلك الوحوش الكونية بأحجامها المختلفة يمكن أن تنشأ من تصادم ثقب أسود مع نجم نيوتروني، أو حتى من تصادم ثقبين أسودين مع بعضهما. وذلك كما يعتقد معظم العلماء. ومن هنا تم تقسيم أو تصنيف تلك الأجسام لعدة أنواع، حيث أن أنواع الثقوب السوداء تختلف باختلاف كتلتها وطريقة نشأتها. وذلك لأن كتلة الثقوب السوداء تختلف باختلاف طريقة نشأتها. ولكن بعد ولادة الثقب، يستمر بالنمو ليصل إلى كتل مختلفة على طول فترة حياته.
لكن أياً كانت كتلة ذلك الوحش الكوني، فإن أي جسم سيقترب منه سينجذب ناحيتة بسهولة ليتم ابتلاعه. ولكن يحدث ذلك بشرط، وهو أن يكون الجسم على مسافة معينة من الثقب. وتسمى تلك المسافة أفق الحدث (Event horizon)، وهي المنطقة التي لا يمكن لأي جسم فيها الإفلات من جاذبية الثقب الأسود. ولكن خارج تلك المنطقة تكون الأجسام آمنه. وكلما كانت كتلته كبيرة، كلما أثرت جاذبيته على نطاق أكبر. أي كان قطر منطقة أفق الحدث أكبر.
تسمية الثقب الأسود
ولقد سمي بهذا الاسم لأنه بالفعل أسود. فهو بسبب جاذبيته الهائلة يقوم بجذب أي ضوء يسقط عليه، من دون أن يعكس ذلك الضوء. بالتالي لا يمكن رؤيته، حتى باستخدام الأجهزة المتطورة مثل التليسكوبات أو الأقمار الصناعية. ولكن تساعد تلك الأجهزة في رصد الثقوب السوداء وتحديد أماكنها من خلال ملاحظة تاثيراتها على الأجسام المحيطة. ويقال أيضاً أن طالباً من طلبة العالم جون ويلر استخدم ذلك الاسم. فأعجب جون ويلر بالاسم وقرر استخدامه، وشاع استخدام الاسم بعدها. وتم نسب الفضل للعالم جون ويلر في تسمية تلك الأجسام. كما ويطلق على تلك الأجسام أيضاً اسم (الوحوش الكونية).
أنواع الثقوب السوداء
الضئيلة أو البدائية (Miniature)
ولقد سميت بدائية لأنها نشأت وولدت مع ولادة الكون بعد الإنفجار العظيم. كما أنها تعتبر من أصغر أنواع الثقوب السوداء المعروفة من حيث الكتلة. فهي تمتلك كتلة أقل من أو تساوي كتلة الأرض. كما أن هناك علماء يعتقدون بوجود أنواع بحجم الذرة. ولقد كان عالم الفيزياء الكونية (ستيفن هوكينج) من العلماء الأوائل الذين اقترحوا فكرة وجود مثل تلك الأجسام البدائية في الكون، والتي تمتلك نفس كتلة الكويكبات.
النجمية (Stellar)
وسميت نجمية لأنها ولدت من موت النجوم. ولكي يتحول النجم إلى ثقب أسود يشترط أن تساوي كتلته من 4 إلى 100 كتلة شمسية. فالنجوم متوازنة من خلال قوتين هما قوة الاندماج النووي التي تدفع للخارج، وقوة الجاذبية التي تدفع للداخل. ولكن عندما ينفد وقود النجم لن تحدث أي اندماجات نووية، وبالتالي لا يعود النجم متوازناً. ومن هنا تنفجر الطبقات الخارجية للنجم إلى الفضاء في انفجار يسمى سوبر نوفا (Super Nova) أو المستعر الأعظم. وينهار النجم تحت تأثير قوة جاذبيته الخاصة التي تدفع للداخل.
وفي هذه الحالة يبدأ النجم في التقلص إلى حجم صغير جداً ولكن ذات كتلة هائلة متحولاً إلى ثقب أسود. ولما كانت النجوم ذات الكتل الكبيرة متوفرة في الكون، فيمكن استنتاج أن الثقوب السوداء النجمية هي الأكثر عدداً في الكون. ذلك لأن المعظم قد نشأ من موت النجوم. بالتالي يعتقد العلماء أن هناك حوالي 10 ملايين إلى مليار ثقب من هذا النوع في مجرة درب التبانة وحدها.
العملاقة (Supermassive)
واضح من الاسم أنها ذات كتلة كبيرة جداً. فذلك النوع تصل كتلته إلى ملايين إن لم تكن مليارات كتلة الشمس. ولقد تم اكتشاف أن كل مجرة تحتوي في مركزها على ثقب أسود عملاق. وبالنسبة لمجرتنا درب التبانة فالثقب الموجود في مركزها يسمى (Sagittarius A) أو (الرامي أ)، وكتلته تساوي 4 ملايين كتلة شمسية. ويعتقد العلماء بأنها تكونت مع نشوء المجرة التي تحتويها أو أنها نمت عبر الزمن.
المتوسطة (Intermediate)
وهي نوع تمتلك كتلة ليست كبيرة ولا صغيرة، ولكن وجود مثل هذا النوع مشكوك بأمره. فلقد كان افترضاً من العلماء. والتي ربما تمتلك نفس كتلة الشمس أو أكبر، ولا دليل على وجودها حتى الآن.
رصد الثقوب السوداء
لا يمكن بالطبع رؤية تلك الأجسام، فهي غير مرئية ولكن هناك طريقة يستخدمها العلماء لتحديد أمكانها. وهي أن جاذبية الثقب الأسود تؤثر على الأجسام القريبة مثل النجوم أو الغازات. بالتالي ستتصرف تلك النجوم بطريقة مختلفة عن باقي النجوم. فيقوم العلماء بدراسة تلك النجوم وتصرفها لفترة لمعرفة ما إذا كانت تدور حول أياً من تلك الأجسام أم لا. وإذا استمر تصرف تلك النجوم لمدة طويلة، يمكن الاستنتاج حينها أن ذلك النجم ربما يدور حول جسم من تلك الأجسام متأثراً بجاذبيته. وحينها يمكن رصد الثقوب السوداء.
نمو الثقب الأسود
تظل تلك الأجسام في حالة نمو طيلة حياتها. وذلك لأن الثقب يلتهم كل ما يقترب من أفق الحدث الخاص به، ويضيفه إلى كتلته. وتلك هي الطريقة الوحيدة التي ينمو بها ويصل إلى الكتل الهائلة عبر الزمن. فمثلاً عندما يمر نجم بجانبه فإنه يبدأ بالتهام النجم، من خلال سحب أجزاء من النجم إلى نفسه. وذلك حتى ينتهي من كامل النجم. يمكن أن تكون تلك الأجسام قد نمت عبر الزمن بعد الانفجار العظيم بواسطة اندماج ثقوب أصغر.
دراسة تلك الوحوش الكونية
يستخدم العلماء أنواع التليسكوبات المختلفة لرصد الثقوب السوداء، مثل تليسكوب هابل الفضائي. وذلك لأنه عندما تقترب المواد من الثقب بواسطة جاذبيته، فإنها تدور حوله وتتصادم مع بعضها في أفق الحدث. وذلك التصادم ينتج ضوء وحرارة شديدين يمكن رصدهما بواسطة التليسكوبات الفضائية فقط. وهذا الضوء يكون بعيد كفاية عن أفق الحدث لكي يهرب من جاذبية الثقب الأسود ويصل إلينا لكي نراه.
رؤية الثقوب السوداء
كانت رؤيتها شبه مستحيلة إلى أن تمكنا أخيراً من رؤيتها. وذلك من خلال آلية التقاط التليسكوبات للضوء الصادر من المواد الحائمة في أفق الحدث، ولقد تم ذلك في عام 2019. عندما تم التقاط أول صورة لثقب أسود عبر التاريخ، واسمه (M87) على اسم المجرة الواقع فيها (Messier87). والذي يبعد عن الأرض حوالي 55 مليون سنة ضوئية، وتعادل كتلته 6.5 مليار كتلة شمسية. ولكن ما تم تصويره كان حلقة الغاز والغبار التي تدور حوله والتي تقوم باطعامه لينمو أكثر وأكثر. أما الثقب الأسود نفسه فيتمثل في المنطقة المعتمة في الوسط.
امكانيه ابتلاع الأرض
رغم اكتشاف أنه هناك مثل تلك الأجسام الغامضة والمخيفة تسبح في الكون. إلا أنه يجب معرفة أن تلك الوحوش الكونية لا تمتص وتدمر العوالم القريبة. بل إن الأمر يتعلق بالجاذبية القوية التي لا يمكن الافلات منها. ولو افترضنا أنه تم استبدال الشمس بثقب أسود له نفس كتلتها، فإن الأرض ستدور حوله من دون أي مشاكل. ولكن تبقى تلك الأفكار مستبعدة. ذلك لأنه حتى الآن لم يتم اكتشاف أي ثقب قريب كفاية ليقتنص الأرض بجاذبيته. بالتالي الأرض لن تكون ضحية جاذبية الثقب الأسود. ولكن هناك نظريات غريبة تقول بأن تلك الوحوش الكونية موجودة في مجموعتنا الشمسية بأحجام صغيرة، ولكن لا صحة لهذه النظريات.
حياة الثقب الأسود
تعتمد حياة تلك الوحوش الكونية على كتلتها، كلما كانت كتلة (Mass) الثقب كبيرة، كلما امتلك عمراً أطول. ولكن فترة حياة تلك الأجسام طويلة جداً فيمكنها أن تعيش تريليونات السنين قبل أن تتبخر وتموت. وهذه فترة أطول من عمر الكون نفسه. ومن هنا يمكن القول أنها تعيش للأبد، وهذا ما تنص عليه نظرية النسبية العامة أيضاً. بالتالي يمكن التكيف مع وجود تلك الوحوش الحائمة في الكون.
فوائد الثقوب السوداء
على الرغم من سمعتها سيئة الصيت عبر التاريخ، بأنها آكلة للعوالم ومدمرة للكون. إلا أن الوحوش الكونية تلعب دوراً هاماً في الكون. فالانفجارات الشمسية، تتسبب في قذف عناصر مهمة في الفضاء مثل الكربون والنيتروجين والأوكسجين. كما أن التصادمات بين تلك الثقوب والنجوم النيوترونية تساعد في نشر العناصر الثقيلة في الفضاء أيضاً مثل الذهب والبلاتين. وتلك العناصر بدورها منذ البداية كانت سبباً في تكوين الكرة الأرضية وكذلك نحن البشر.
كما أن الثقوب الهائلة الكتلة الموجودة في مراكز المجرات لها دور رئيسي في ولادة وانتشار النجوم داخل تلك المجرات. وكذلك الأمر تساعد قوة جاذبيتها الهائلة في تماسك عناصر المجرة من نجوم وكواكب وغازات من التفكك والتبعثر في الفضاء. فيمكن اعتبار أن الثقوب السوداء هي المنظمة للكون وبدونها سيصبح الفضاء الكوني فوضوياً.
تاريخ فكرة وجود تلك الأجسام
لقد تم تبني فكرة وجود أجسام ذات جاذبية هائلة تسبح في الكون منذ قرون بواسطة علماء كثيرين. ولقد أشار علماء مثل جون ميشيل وبيير سيمون لابلاس إلى وجود مثل تلك الأجسام في القرن الثامن عشر. ولكن كل هذا كان مجرد نظريات فقط غير مثبتة لوقت طويل. ثم جاءت نظرية النسبية العامة (General relatively) للعالم الشهير (آلبرت آينشتاين)، والتي تضمنت فكرة وجود الثقوب السوداء رغم عدم اقتناع آينشتاين بوجودها. والتي فسرها بعد ذلك العالم كارل شوارزشيلد. فكان آينشتاين أول من تنبأ بوجود تلك الوحوش الكونية.
أخيراً، يجب القول أن الثقوب السوداء كانت لغزاً عبر الزمن، وستظل من ألغاز الكون. فهي ليست كأي جسم آخر يتم دراسته. هذا جسم لم نكتشفه بعد من جميع الجوانب. ولكن مع تطور العلم بالتأكيد سنعرف المزيد عن هذا الجسم الكوني الغامض.