-

التنمر الجندري: معلومات عنه من وجهة نظر علمية

التنمر الجندري: معلومات عنه من وجهة نظر علمية
(اخر تعديل 2024-09-09 15:29:20 )
بواسطة

بعيدًا عنا قليلًا، أو ربما قريبًا إن أمعنّا النظر؛ يعامل العديد من الناس وفق معايير بالكاد تصح ليطلق عليها هذا اللقب. أمعن النظر قليلًا لترى كم من شخص يعاني من التنمر على شكله أو صوته أو لون شعره، كم من امرأة يقال لها أنها خلقت للمطبخ وحسب، وكم من رجل أُعيبت رجولته عندما بكى قليلًا. يطلق على هذا بمصطلح التنمر الجندري. لذا دعونا نلقي نظرة قريبة على التنمر الجندري وعلاقته بالقولبة النمطية، وآلية مكافحة هذه الظاهرة.

نظرة عامة حول التنمر الجندري

لنعد قليلًا في الذاكرة، ولنقل أننا نحتاج ذاكرتنا الطفولية لبعض الوقت. فكر معي، ألم يسبق أن تعرضت للتنمر في طفولتك؟ ربما كنت سمينًا، أو نحيلًا؛ ربما كان شعرك أشعثًا وربما خفيفًا. أو لنتجه بسؤالنا إلى جانب آخر، ألم تمازح إحدى زميلاتك في المدرسة بشأن وزنها الزائد في إحدى المرات؟…آسفة لتعرضك للتنمر، أو لكونك متنمرًا؛ ففي كلا الحالتين لست في موضع تحسد عليه.

لنعد الآن إلى سياق حديثنا لتتوضح الأفكار أمامك قليلًا. عادة ما يتعرض مختلف الناس إلى التنمر، وبخاصة التنمر الجندري؛ إلا أنه ينتشر بكثرة بين المراهقين والشباب، ويؤثر فيهم بشكل كبير قد يدفعهم أحيانًا إلى تصرفات غير واعية فيما لو لم يعالج، وتتمثل هذه التصرفات بالتحرش أو الاعتداء الجنسي، في حين يميل البعض الآخر إلى مواجهته بالانتحار. لذا كان حريًا بنا التعرض إلى هذا النوع من التنمر لمعرفة كيفية علاجه وتفادي انتشاره.

بشكل عام يمكن القول إن التنمر الجندري أو الجنسي هو أحد أشكال التنمر الذي يقوم على مضايقة فرد أو مجموعةٍ لأفراد آخرين من خلال بعض التعليقات أو التصرفات المسيئة والمؤذية؛ والتي عادة ما توجه نحو الانتقاص الجنسي.

التنمر الجندري من وجهة نظر علمية

التنمر الجندري
التنمر الجندري

التنمر الجندري هو سلوك جسدي أو غير جسدي يحط من قدر الشخص، عبر استخدام إيماءات أو مفردات جندرية تهدف لإحباط الشخص وإيذاء مشاعره وتنمية حس الخوف والخجل لديه. وعادة ما تكثر هذه السلوكيات في المدرسة، أو في ساحات مواقع التواصل الاجتماعي. وتعتبر خطرة مثلها مثل أي نوع من جرائم الكراهية التي ينبغي معالجتها من قبل الأهل والمجتمع والمدرسة.

ووفق دراسة أجرتها Stop Street Harassment، فإنه وعندما يتعرض المراهقون للتنمر الجندري في عمر مبكر، فإنهم عادة ما يخفون هذا الأمر. وقد خلُصت الدراسة إلى أن ما نسبته حوالي 81% من النساء و43% من الرجال قد عايشوا إحدى حالات التنمر الجندري في مرحلة ما من حياتهم.

على جانب مماثل، فقد وجدت دراسة استقصائية أجرتها جامعة هارفرد أن حوالي 87% من المشاركين في الدراسة، والذين تتراوح أعمارهم بين 18-25 عامًا، قد تعرضوا للتنمر الجندري مرة واحدة على الأقل في حياتهم عبر واحدة من الطرق التالية:

  • إما عبر تلقيب الشخص باسم جنسي صريح.
  • تلقي رسائل غير لائقة.
  • التنمر على ملابس أو حركات أو طريقة تصرف الشخص.
  • تلقي الشتائم أو الشائعات عبر الإنترنت أو شخصيًا.
  • نظرات مسيئة.
  • الابتزاز العاطفي للقيام بفعل ما جنسي، كإرسال الصور أو مقاطع الفيديو.
  • التحيز الجنسي والقولبة النمطية للجنسين.

التنمر الجندري في المدارس

التنمر الجندري في المدارس
التنمر الجندري تجاه الأطفال

وفق الدراسات، ينتشر التنمر الجندري بكثرة في المدارس، وهو النوع الأخطر عمومًا؛ فللكبار القدرة على التعامل النفسي مع الضغوطات والأفكار المسيئة أكثر من الأطفال. في حين يشكل الأمر هوّةً لا يمكن للطفل الخروج منها في معظم الأحيان. ناهيك عن الاحتمال الأكبر لتكتم الطفل على الأمر، مما يزيد من صعوبة حل المشكلة حين يكبر.

فلماذا يتنمر الأطفال على بعضهم جنسيًا؟

هناك العديد من الأسباب التي قد تدفع الأطفال للقيام بفعل كهذا، كميلهم لتحسين وضعهم الاجتماعي وفرض سيطرتهم على فئة معينة من الطلبة. بالإضافة إلى حاجتهم إلى الاهتمام، والخوف من حياتهم الجنسية النامية. وفيما يلي أبرز العوامل المحفزة للتنمر الجندري في المدارس:

البحث عن القوة

في بعض الأحيان، يلجأ الأطفال إلى التنمر الجندري عندما يشعرون بالضعف والعجز، أو كرد فعل مماثل لتعرضهم للتحرش أو التنمر الجندري. وهو ما يمنحهم شعورًا باستعادة السيطرة على حياتهم عبر استهداف الفئة الأضعف منهم.

بدء النضج الجنسي

بمجرد أن يصل الأطفال إلى سن المراهقة، يبدأون بإيلاء الكثير من الاهتمام إلى مظهرهم ونظرة أقرانهم إليهم. لذلك، فغالبًا ما يسلطون الضوء على نقاط ضعف لدى أقرانهم، ليبدون بمظهر الأفضل.

تقليل الإحساس بانعدام الأمان

في كثير من الحالات، يوصف التنمر الجندري كغطاء لمشاعر عدم الكفاية وانخفاض احترام وحب الذات، أو ربما لمشاعر الغيرة تجاه الآخرين.

تقليد الآخرين

قد يشارك الطفل في إحدى جلسات التنمر نتيجة انتشار الظاهرة حوله، فيتأثر إما بأصدقائه، أو بالبالغين المحيطين به، أو ربما ببعض مشاهد التلفاز والموسيقى.

التنمر الجندري والقولبة النمطية

القولبة النمطية
القولبة النمطية للرجال والنساء

ربما لم يطرق عقلك سوى مفهوم واحد للتنمر الجندري. لكن ألم تفكر أن المجتمع يكاد يغصّ بالمتنمرين! فكم من مرة أعيب فيها أحد الشباب لضعفه أو خوفه من أي شيء. أو ربما أقحمت امرأة في مبارزة غير عادلة حول دورها المنحصر بين جدران المطبخ، وخلف أطباق الطعام، وبين ملابس الأطفال وحاجياتهم!

يعتبر هذا الأمر أحد أنواع التنمر الجندري، حيث تقولب جنسًا كاملًا بقوالب لا أساس لها من الصحة. إذ يمكن لأي منا أن يتصرف براحة مطلقة، ولا علاقة لآخر بكيفية تعاطيه مع مجريات حياته.

وتعتبر القولبة النمطية أحد أخطاء أنواع التنمر الجندري أيضًا، وهي النوع الذي يصعب علاجه للغاية وخاصة في المجتمعات العربية، نظرًا لتداول الأفكار المعتادة التي تخصص تصرفات محددة لكل من المرأة والرجل. فلا يمكن للرجل إطالة شعره، ولا يمكن للمرأة العمل خارجًا. وغيرها من القوالب التي لطالما شكلت حدودًا منعت كلا الجنسين من التمازج مع الآخر.

كيفية مكافحة التنمر الجندري

في ظل الانتشار الكبير لهذه الظاهرة، بات من الضروري مكافحة التنمر الجندري بمختلف أشكاله. فهو لم يعد قضية مرتبطة بالكبار فقط، بل بات يهدد حرم الجامعات ومقاعد طلاب المدارس. ونظرًا لكونه يمكن أن يتصاعد ليصل حد التحرش والاعتداء، فمن الهام أن يبذل الجميع مجهودًا لمكافحته عبر اتباع كافة الوسائل الممكنة. والتي تمثل في:

التعرف على المشكلة

وفقًا لمشروع الرعاية المشتركة، فقد أفاد أكثر من 75% من المشاركين في الدراسة الاستقصائية بأنهم لم يجروا أي نقاش مع آبائهم أو أمهاتهم بشأن التنمر الجندري. لذا يجب على الأهالي والمعلمين مشاركة أطفالهم النقاش حول هذا الموضوع، ومساعدتهم في تكوين صورة صحيحة حول كيفية التعامل مع مثل هذه المشكلات، وإشراكهم في محادثات حول أهمية الصداقات وعلاقات التعارف الصحيحة.

إجراء مناقشات منتظمة

واحدة من الطرق الأفضل لتجنب السلوك غير اللائق وخلق مناخ متسامح قائم على الاحترام بين الجميع هو الحفاظ على البيئة الداعمة للنقاش. لذا عليك مناقشة أي مشكلات حدثت معك من هذا النوع، وتذكير أطفالك بأن إغاظة الآخرين والتنمر هو فعل مستهجن.

كما يتوجب إتاحة بيئة آمنة للمراهق أو الطفل تمكنه من اتخاذ زمام المبادرة في نقاش أي موضوع يطرق رأسه، لنتجنب الخوف من خوض غمار أي حديث أو نقاش.

بناء واحترام الذات

نشر التوعية حول أهمية احترام الذات ورفض كل ما يهين كرامة المرء ويجرحها. كما يجب التأكيد على ضرورة احترام الآخرين ونظراتهم تجاه أنفسهم وحرياتهم الشخصية. لذا يجب على الأهالي والمعلمين وأي شخص ذو سلطة تربوية التحريض على ممارسة الأعمال والأنشطة التي تقوي ثقة الشخص بذاته ومنحه إحساسًا بالاحترام الذاتي كالتطوع وممارسة الرياضة أو الانضمام إلى النادي المدرسي.

في الختام، يتوجب علينا جميعًا محاربة جميع أشكال التنمر الجندري، والتأكيد على أهمية نشر التوعية بجميع أشكالها حول مختلف أنواع التنمر ومحاربته. وبخاصة موضوع القولبة النمطية التي تنتشر كما النار في الهشيم في مجتمعاتنا.

تأكد أنك تنشر الاحترام والمحبة لا الكراهية والحقد والخوف، وتعلم كيفية تعيين حدود بينك وبين الناس، عدم الخوف من نظرة المجتمع إليك، والجأ إلى أي شخص واع في حال تعرضك للتنمر، فأنت تتخذ بهذا الخطوة الأولى في مكافحة التنمر الجندري والحفاظ على سلامتك وصحتك النفسية وصحة من حولك.