(بع الدار واشتر الأذكار)؛ عن الإمام النووي، قد ترددت هذه المقولة واشتهرت في كتاب الأذكار والأدعية، التي دعا بها النبي صلي الله عليه وسلم. وقد كتب هذا الكتاب الإمام النووي رحمة الله عليه فمن هو الإمام النووي؟
الإمام النووي او النواوي، هو أبو زكريا، محي الدين، يحيي بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الحزامي النووي، ولد في نوي في حوران، في بلاد الشام ( سوريا حاليا)، وإليها نسب،
ووالده هو شرف بن مري الحزامي النووي، وهو شافعي المذهب، من اتباع الامام الشافعي رحمه الله، وله اسهامات عديدة في الفقه الشافعي، حيث يعتبر من شيوخ المذهب الشافعي العظام، له مؤلفات عديدة مهمة في الفقه والحديث واللغة والتراجم.
مولده ونشأته
ولد الإمام النووي، في شهر المحرم من عام 631 هجري، أي في القرن السابع، في نوي، التي عرفت به ولم يعرف هو بها، وعاش مع أبيه ، وفي رعايته، وكان أبوه يمتلك دكانا، يبيع فيه ويشتري،
بقول الإمام الذهبي عن والده، ان الإمام النووي وهو ابن سبع سنوات، كان بجوار والده نائما في رمضان، فأيقظه قائلا أ رأيت ياأبي النور الذي ملأ المكان؟ فقال له أبوه لا، قال فعلمنا أنها ليلة القدر العظيمة من شهر رمضان، وهذا أن دل فيدل علي صلاح النووي، وعناية الله به منذ صغره.
النووي والقرآن الكريم
كان الإمام النووي دائم الانشغال بالقرآن، وحفظه وتعلمه منذ الصغر، فكان لا يشغله عنه شاغل، فيحكي الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي عن نفسه، أنه مر بقرية نوي، فرأي النووي وكان حينها ابن عشر سنين فقط، وأقرانه يكرهونه علي أن يلعب معهم، وهو يحاول الفرار منهم لانشغاله بقراءة القران، فيقول الشيخ ياسين، فأوصيت به أباه، فقال لي أأنت منجم؟ قلت بل أنطق الله لساني بهذا الكلام عن ولدك. فاهتم به أبوه من حينها وتوسم فيه كل الخير، ولقد ختم النووي القرآن عند البلوغ.
سفر النووي الي دمشق
وعاش في نوي حتي الثامنة عشره، ثم سافر الي دمشق هو ووالده، حيث كانت دمشق كعبة العلم والعلماء حينها، حيث أقام في جامع دمشق الكبير كعادة الغرباء أول دخولهم البلدان وقتها، وقد حرص النووي علي ان يأخذ العلم عن أهله ومشايخه،
فكان شغله الشاغل الجلوس الي العلماء الكبار والسماع منهم وتلقي أصول العلم علي أيديهم، فلقي خطيب الجامع الأموي وإمامه وقتها وهو الشيخ جمال الدين عبد الكافي الدمشقي، الذي أخذه بعد ما عرف من اجتهاده في العلم الي حلقة مفتي الشام، تاج الدين بن ضياء الفزاري، الذي لازمه النووي من يومها وكان أحد أهم شيوخه الذين تلقي عنهم العلم.
إقامته
ولقدأقام النووي في دمشق في بيت صغير تابع للمدرسة الرواحية، وقته كله بين العلم والكتابة والعبادة، ولقد عاش في دمشق ما يناهز 28 عاما، لم يغادرها سوي لرحلة الحج والعمرة، وزيارة قبرالإمام الشافعي رحمه الله أو قرية نوي، حيث يقيم أهله، ولقد حج النووي رحمة الله عليه مرتين في عمره، كما ذكر ذلك كتاب السير.
الإمام النووي وطلب العلم
لقد كان الإمام النووي رحمه الله مثالا للعالم المجتهد الدؤوب، فقد قال عن نفسه في ذلك ( لقد قاربت السنتين لم اضع فيهما جانبا علي الأرض) يعني بذلك قلة النوم الشديدة، وذلك هو سمت العلماء العظماء، حيث يتركون الراحة وملذات الحياة طلبا للعلم وإفادة الناس، حتي قال الذهبي في سيرته ان الإمام النووي سئل يوما كيف ومتي تنام؟
فقال أنكب علي الكتب برهة واستيقظ، فكان لايضيع عمرا في خلود الي غفلة او راحة، فقيل أنه استمر ست سنوات لا يعرف فيها سوي تحصيل العلم والجلوس الي العلماء والمراجعة حتي في ذهابه او إيابه في الطريق، فضرب به المثل في الاجتهاد وعرف به بين الناس.
درسه وحفظه للعلوم
رياض الصالحين للإمام النووي
فلقد حفظ النووي كتاب أبي إسحق الشيرازي، التنبيه، في أربعة اشهر ونصف فقط، وكذلك حفظ له أيضا ربع العبادات من المهذب ، وقد كان يقرأ اثني عشر درسا علي مشايخه في كل يوم، للشرح والتصحيح، درسين في الوسيط، ودرس في الجمع بين الصحيحين، واخرفي المهذب، ودرس في صحيح مسلم، ودرسا في إصلاح المنطق لابن السكيت، ودرسا في النحو لابن جني، ودرسا في الصرف، ودرس في أصول الفقه مرة لأبي إسحق الشيرازي، ومرة لفخر الدين الرازي، ودرسا أيضا في أسماء الرجال ودرسا في أصول الدين.
الإمام النووي و فقه الشافعية
كان الإمام النووي رحمه الله، قد أخذ مذهب الشافعية وفقهه عن أعلم علماءه وأعظمهم، فأصبح من العظماء، وكان من أعلم الفقهاء بمسائل الخلاف الفقهية، ولقد قال عنه الإسنوي في الطبقات( هو محرر المذهب الشافعي ومهذبه، ومنقحه، ومرتبه، سار في الآفاق ذكره، وعلا في العالم محله وقدره، صاحب التصانيف المشهورة المباركة النافعة)،
كذلك قال عنه ابن كثير: ( شيخ المذهب، كبير الفقهاء في زمانه) ويقول عنه الذهبي ( كان رأسا في معرفة المذهب)، كما يقول عنه تلميذه ابن العطار: (كان حافظا للمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم وإجماعهم، وما اشتهر من ذلك جميعه وما هجر، سالكا في كلها طريقة السلف).
الإمام النووي والحديث الشريف
من أعظم ما اجتمع عليه النووي، هو اجتماعه علي الفقه والحديث، فقلما تجد محدثا فقيها، ولقد قال عنه ابن العطار في ذلك( سمع البخاري، ومسلم وسنن أبي داوود والترمذي، وسمع النسائي وموطأ ابن مالك، ومسند الشافعي ومسند أحمد ابن حنبل والدارمي وأبي عوانة وأبي يعلي الموصلي وسنن ابن ماجه، والدارقطني والبيهقي وشرح السنة للبغوي، ومعالم التنزيل للبغوي، وكتاب الأنساب للزبير ابن بكار، والخطب النباتية، ورسالة القشيري،
وعمل اليوم والليلة لابن السني، وكتاب آداب السامع والراوي للخطيب) ولقد كان النووي محدثا عظيما، له الكثير من التلاميذ، فقد قال عنه الذهبي ( حدث عنه ابن أبي الفتح، والمزي وابن العطار) كما أخذ عنه المحدث أبو العباس أحمد بن فرح الإشبيلي، فلقد كان النووي رحمه الله كما قال عنه ابن العطار أنه كان حافظا لحديث رسول الله عارفا بأنواعه كلها، من صحيحه وسقيمه وغريب ألفاظه وصحيح معانيه واستنباط فقهه.
كتب ومصنفات الإمام النووي
كانت حياته قصيرة، فلقد عاش 45 عاما، زاخرة بالإنتاج المهم . ألف في الفقه والحديث وشرح الحديث واللغة والمصطلح والتراجم، والتوحيد. أشهر مؤلفاته:
- رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين.
- الأذكار المنتخب من كلام سيد الابرار.
- الأربعون النووية، ولقد حظيت تلك الكتب بمكانة كبيرة لم تكتب لغيرها من الكتب.
- بستان العارفين.
- المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج.
- روضة الطالبين وعمدة المفتين.
- منهاج الطالبين وعمدة المفتيين.
- التبيان في آداب حملة القران.
- الإيضاح في المناسك.
- العمدة في تصحيح التنبيه.
- التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير.
- التحرير في ألفاظ التنبيه، لأبي اسحق الشيرازي ومناقب الشافعي.
- أدب المفتي والمستفتي.
- دقائق الروضة.
- دقائق المنهاج.
- رؤوس المسائل وتحفة طلاب الفضائل.
- مسائل تخميس الغنائم.
- مختصر أسد الغابة.
- مختصر آداب الاستسقاء.
وغيرها الكثير من المؤلفات، التي أتمها، ومؤلفات أخري كثيرة، لم يمهله العمر لإتمامها، أمثال:
- قطعة من شرح حديث البخاري.
- وكتاب الأمالي.
- وتهذيب الأسماء واللغات.
ولقد توفي النووي في دمشق عام 676 هجريا.