الزعفران والاكتئاب، الزعفران، أو الذهب الأحمر واحد من أغلى أنواع التوابل على مستوى العالم، والذي يحتاج إلى ظروف مكلفة ومنهكة لإنتاجه. تبين أن هذا النبات (حسب الدراسات) يملك تأثيرات مفيدة الاكتئاب. بسبب مكونات الزعفران الثمينة، وامتلاكه خواصًا وتأثيرات مفيدة لعلاج الاكتئاب وغيره من الحالات النفسية.
Please enable JavaScript
الاكتئاب ومضادات الاكتئاب
مرض الاكتئاب والقلق من المشكلات النفسية الشائعة جدًا، والتي ترتفع تكاليفها الاقتصادية والاجتماعية. ولا يقتصر التأثير على المصابين فحسب، بل إن عبئه العالمي أكثر إزعاجًا. فتبعًا لمنظمة الصحة العالمية، يتأثر ٣٥٠ مليون شخص حول العالم بالاكتئاب، ما يجعله السبب الرئيسي للإعاقة. وحسب الاحصائيات المتوفرة، بلغت نسبة الأمريكيين الذين يتناولون مضادات اكتئاب عام ٢٠١٣م حوالي ١٢٪، بينما قدر عدد الذين شخصوا بالإصابة باضطراب الاكتئاب حوالي ١٦ مليون سنويًا أو ٦.٧٪ من البالغين. مع ملاحظة أن مضادات الاكتئاب (Antidepressants) تستخدم لعلاج العديد من الاضطرابات مثل القلق، واضطراب ما بعد الصدمة، والآلام المزمنة، واضطرابات المزاج، وليست خاصة فقط بالاكتئاب (Depression).
ولعلاج الاكتئاب والقلق، تتوافر عدة خيارات؛ منها: العلاج النفسي psychotherapy، والعلاج بالصدمة الكهربائية (electroconvulsive therapy)، بالإضافة إلى الأدوية المضادة للاكتئاب. إلى جانب الزعفران الذي أكدت دراسات وبحوث علمية كثيرة احتواءه على خواص مضادة للاكتئاب. وقد بينت عدة دراسات على المصادر المستخلصة من بتلة زهرة كراكوس، ومن الميسم، تسجيل تأثيرات العلاج الكبيرة لصالح الزعفران، مع عدم وجود فروق واضحة في التحسن بين مضادات الاكتئاب والزعفران، حيث تساويا في التأثير. في حين قيّمت عدة تجارب طبية كفاءة الزعفران (٣٠ملغ) يوميًا لمدة ٦-٨ أسبوعًا، في علاج الاكتئاب الخفيف إلى المعتدل.
مكونات الزعفران الثمينة
تحتوي المياسم القيّمة من زهرة كاروكوس على أربعة مكونات نشيطة حيويًا ذات صلات بالمجال الطبي، وتتميز بأنها غنية بمكونات ثمينة مثل الكاروتينات (carotenoids)، وتحتوي على كل من البيتاكاروتين والليكوبين، وهذه المكونات الرئيسية هي:
- الكروسين (crocins) والكروسيتينات (crocetins)، وهي المسؤولة عن منح الزعفران اللون الأصفر الغامق.
- بيكروكروسين المسؤول عن خاصية الطعم المر.
- الزعفرانين (safranin) المسؤول عن الرائحة الشبيهة بالقش.
ويعتقد أن هذه المركبات تفيد كمضادات اكتئاب، عبر آليات مختلفة. جُرّب معظمها مبدئيًا في المخابر أو على الحيوانات. لكن ما زال هناك الحاجة قائمة لاختبارها على البشر.
أسطورة الزعفران
يأتي الزعفران من الميسم الجاف لنبات Crocus sativus الحساس. ويحتل مكانة خاصة في الميثيولوجيا الاغريقية، وفي العصور القديمة أيضًا. وحسب الإغريقيين القدماء، فإن كاروكوس وقع في حب حورية، وبسبب إعجاب الآلهة بحبه واخلاصه، منحته الخلود بتحويله إلى نبات يحمل اسمه ورمز حبه، الميسم الأحمر بلون الدم. بينما تورد رواية أخرى أن كاروكوس تشتت انتباهه، بسبب حبيبته، أثناء لعب القرص مع هرمس (ابن زيوس)، وقتل بطريق الخطأ. وأصبحت الزهرة مرة ثانية رمزًا لخلوده، حيث يرمز الأحمر إلى انسكاب دمه.
تأثيرات الزعفران المفيدة للاكتئاب
بسبب التأثيرات الجانبية لمضادات الاكتئاب، والحاجة إلى الانتظار لمدة شهر على الأقل قبل تراجع الأعراض. بالإضافة إلى التجاوب غير المؤكد، واحتمال الحاجة إلى تغيير العوامل لإيجاد “المناسب” الأمر الذي يدفع الكثيرين للتطلع نحو تداخلات صحية تكاملية. منها الزعفران؛ حيث أظهرت عدة تجارب سريرية امتلاكه مكونات قيّمة وخواصًا مضادة للاكتئاب والقلق، شبيهة بتلك الموجودة في أدوية الاكتئاب مثل fluoxetine وimipramine وcitalopram، لكن مع القليل من التأثيرات الجانبية الإضافية. ومن تأثيرات الزعفران المفيدة في مجال علاج الاكتئاب:
المضاد للأكسدة
يعتبر الكروسين والكروسيتينات والزعفرانين مضادات أكسدة قوية. وتفيد في مقاومة الاكتئاب عبر الحماية ضد و/أو تخفيف الاجهاد الأكسدي، (المعروف أنه يتفاقم في حالات الاكتئاب). وقد أظهرت الدراسات أن هناك تأثيرًا تآزريًا عند وجود الثلاثة معًا، ما يحسن الفاعلية في ظل هذه الظروف.
التأثير المضاد للالتهابات
يرتبط الاكتئاب بزيادة البروتين التفاعلي C. ويعتقد أن للالتهابات دور في هذا المرض. وقد بين الزعفران مخبريًا أنه يملك خواصًا قوية مضادة للالتهابات، يأتي معظمها من الكروسين والكروسيتينات. لكن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات لتوضيح آلية العمل.
تأثير السيروتونين
يعمل بشكل مشابه للفلوكستين، وهو علاج تقليدي للاكتئاب. قد يملك الكروسين تأثيرًا مماثلًا في مواقع مستقبلات السيروتونين. أيضًا تجري بحوث ودراسات عن إمكانية استخدام الزعفران لاضطراب ما قبل الحيض المزعجة.
تعديل HPA
قد يخفف الزعفران من استجابة المحور الوطائي النخامي الكظري (HPA) للمواقف الصعبة. حيث يساهم الخلل في تنظيم HPA في تصعيد اضطرابات الاكتئاب. ويُعتقد أنه يؤثر على توافر النواقل العصبية، والإجهاد التأكسدي، والالتهابات. لكن هذه الاستقصاءات والتحقيقات مازالت في مراحلها الأولى.
حماية الأعصاب
أجريت دراسات أولية حول تأثير الكروسين والزعفرانين في حماية الخلايا العصبية، عند الفئران المعرضة لضغوط. من المعروف أن العديد من مضادات الاكتئاب التقليدية تزيد عامل التغذية العصبية، المشتق من الدماغ BDNF، ويعتقد أن هذا البروتين الدماغي يلعب دورًا في الاكتئاب. كما لاحظ بعض الباحثين الذين درسوا الزعفران والكروسين، تأثيرًا مماثلًا على BDNF عند فئران عُرضت لظروف عصيبة.
تاريخ استخدام الزعفران
تم توثيق أهمية استخدام الزعفران عبر العصور، بين عامي 3500-5000 قبل الميلاد، حيث استخدمه السومريون بعد جمعه من البرية كعلاج وجرعات للعديد من الأمراض. وقريبًا منهم أو في نفس زمنهم، بدأت بلاد فارس القديمة بزراعة هذا الزعفران الباهظ. حيث كان يتم اختيار الأزهار ذات المياسم الأطول لزيادة محصول توابل الزعفران.
ويكشف التاريخ الفارسي عن تقديم الزعفران مع الشاي لعلاج “المالنخوليا” (الكآبة والحزن)، وفيما بعد استعمل الاسكندر الأكبر حمامات الزعفران لعلاج الجروح بشكل عام.
أيضًا؛ تشير الآثار من جزيرة سانتوريني اليونانية إلى إنتاج الزعفران، واستخدامه كأداة علاجية في شكل تصويري منذ عام 1700 قبل الميلاد. على الرغم من أن الإغريق والرومان القدماء قدروا الزعفران لاستخداماته العديدة، كالتلوين، وتنكيه الطعام، والعطور، أيضًا أوصى به بليني الأكبر لعلاج اضطرابات الجهاز الهضمي.
وصل الزعفران إلى الهند والصين منذ القرون المبكرة عن طريق التجارة. وبدأت زراعته في كشمير، واستخدم في علاج الالتهابات والمالنخوليا، بالإضافة الى الكثير من الاستخدامات غير الطبية. وواصل اكتساب المزيد من القيمة. وشاع استخدامه في العصور العدة التالية، حيث أصيب المحصول الأول منه في أوروبا الغربية بالفطريات والمرض. أيضًا حمل المستوطنون الألمان المعروفون بألمان بنسلفانيا ديدان نبات كاروكوس إلى موطنهم الجديد، وزرعوه في بنسلفانيا الشرقية، وما يزال ينمو حتى اليوم.
إن القسم الأكبر من الزعفران يأتي من اليونان، ومن إيران حيث يسمى بالذهب الأحمر، ذلك أن ثمن كيلو غرام الواحد منه يصل إلى ١١ ألف دولارًا أمريكيًا، ويعود سبب هذه الكلفة المرتفعة إلى الحاجة لعمالة كثيرة لإنتاجه، حيث يتطلب كيلوغرام واحد فقط جمع ٤٥٠ ألف ميسم باليد (من حوالي ١٥٠ الف زهرة كروكوس).
الأمان في استخدام الزعفران للاكتئاب
يحتل عنصر الأمان، والتأثيرات الجانبية لهذا النبات مكانة خاصة ضمن الدراسات التالية عن الزعفران والتحقيق المنهجي. لكن في كل البحوث المتوافرة، تجلّت التأثيرات الجانبية للزعفران في زيادة القلق، وزيادة الشهية، والغثيان، والصداع. ورغم تباين درجاتها عمومًا، لكنها فاقت التأثيرات الجانبية لمضادات الاكتئاب التقليدية.
تبلغ الكمية الآمنة للاستهلاك اليومي من الزعفران 1.5غ، وتكون سامة عندما ترتفع لـ 5غ يوميًا.
تتراوح كميات الزعفران المخصصة لعلاج الاكتئاب يوميًا بين 30-50ملغ، تاركة هامش خطأ كبير. على أي حال، من الأفضل الوعي بامكانية التعرض لتسمم أو حتى للموت بـ (20 غ) عند علاج الاكتئاب بسبب التفكير بالانتحار. وبما أنه لا تتوافر دراسة منشورة عن الزعفران لأكثر من 12 أسبوعًا، فمن الصعب تدوين أي مخاوف حول الأمان على المدى الطويل.
الخلاصة؛ يقدم الزعفران تأثيرات المفيدة للاكتئاب ومضادة للالتهاب، ويمثل علاجًا آمنًا وفعالًا. ورغم أن الدراسات الحالية مبشرة، لكن ما يزال هناك حاجة لدراسات طويلة الأمد، وحاسمة قبل توفر توصيات محددة تتعلق بالعمر، والكمية المطلوبة، وغيرها من الحالات الخاصة. والاستفادة من مكونات الزعفران الثمينة في التخلص من الحالات النفسية والاضطرابات المختلفة.