لا شك بأن اضطراب الاعتلال الاجتماعي هو من أخطر الاضطرابات النفسية السلوكية، لذلك يجب أن نعرف ما هو الاعتلال الاجتماعي وما هي جذوره أو أسباب الاعتلال الاجتماعي، وكيفية علاج اضطراب الإعتلال الإجتماعي. يسبب المصاب بهذا الاضطراب الأذى لنفسه وكذلك للآخرين بصورة قاسية ولا يمكن تفادي عواقبها. بالإضافة لذلك، فإن هذا الاضطراب يعد من أخطر الاضطرابات النفسية على المجتمع ككل، وعلى الأسرة، وعلى الفرد المصاب نفسه، فلنتعرف إذن على هذا الاضطراب.
ما هو الاعتلال الاجتماعي
في الحقيقة، إن الاعتلال الاجتماعي هو اضطراب سلوكي نفسي لا يمكن الوقاية منه. ويعرف أيضًا باسم (اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع). يسبب هذا الاضطراب الأذية للنفس أو للآخرين بسبب هيجان المصاب وسلوكه العدائي تجاه الآخرين. يقوم المصاب بابتزاز الآخرين عن طريق الخداع والمكر، والعنف النفسي والجسدي، والتخويف والترهيب. قد يكون الاضطراب ناتجًا عن الماضي السيء، أو عن ظروف الحياة السيئة، وخاصة في الماضي.
أسباب الاعتلال الاجتماعي
إن اضطراب الاعتلال الاجتماعي ليس له أسباب واحدة، أو حتى سبب واحد محدد. في الواقع، إن هذا الاضطراب هو من الاضطرابات التي حيرت علماء النفس، نظرًا لقوته وعدم القدرة على التحكم به وسبر أغواره. فيما يلي بعض أسبابه:
سبب وراثي
قد يكون الاضطراب نتيجة لعامل وراثي، حيث تنتقل المورثات من الآباء إلى الأبناء عادة. بطبيعة الحال، فإن الإنسان الذي يولد في عائلة مليئة بالشخصيات العدائية، أو النرجسية، يكون أكثر عرضة لاكتساب مورثات هذه الاضطرابات.
الذكريات والاعتلال الاجتماعي
ترتبط الذكريات السيئة، إلى حد كبير، بالاعتلال الاجتماعي. غالبًا ما تكون مرارة اللحظات في الماضي، هي السبب المباشر في حالة الذهان النفسية القاسية التي يقع فيها المصاب. تقتحم الكوابيس لحظات المصاب، ويشعر بأن كل ذكرياته سيئة، وأنه عاش حياة قاسية للغاية ووحشية. نتيجة لذلك، يتولد لديه شعور معادٍ للمجتمع إلى حد كبير، ومعادٍ لنفسه. تقتحم أفكار سلبية عقل المصاب بصورة دائمة (حياتي وذكرياتي كانت سيئة جدًا، لذلك لا مانع من الإساءة للآخرين).
عائلة قاسية
أيضًا، فقد تكون العائلة القاسية هي السبب في الإصابة بالاضطراب. أغلب الدراسات النفسية تشير إلى وجود أب قاسي أو أم قاسية عند المصابين بهذا الاضطراب. تولّد القسوة في داخل روح الإنسان شعورًا بأنه لا يستحق ما يجري له من عنف وحشي. بعد ذلك، يتراكم الأذى في داخله، ويتفاقم الشعور بالكراهية تجاه العالم كله، ولا يستطيع الإنسان التمييز بين العدو والصديق. مع تطور الاضطراب يشعر المصاب بالعداء حتى تجاه نفسه ويعاني من أزمة وجودية.
الصدمة واضطراب الاعتلال الاجتماعي
كذلك، فإن الصدمة النفسية أو عامل الصدمة، يلعبان دورًا كبيرًا جدًا في الإصابة بالاعتلال. قد تكون الصدمة نتيجة حدث قاسي جدًا في الحياة، كفقدان شيء ما ثمين (غالبًا على يد إنسان آخر). إن أغلب الاضطرابات السلوكية تنجم عن الأذية المتنقلة بين البشر، وتوليد مشاعر الكراهية والرغبة في الانتقام. ثم يتولد في داخل المصاب قناعة بأن كل الناس حقراء ويستحقون الأذية.
سبب هرموني
في الغالب، يكون الاضطراب الهرموني هو السبب في الاعتلال الاجتماعي. يلعب هرمون السيراتونين Sratonin دورًا في تنظيم الانفعالات العاطفية وخاصةً الشعور بالسعادة والسكينة. مستوى هذا الهرمون يكون مفرط في الزيادة عند المصاب بالاعتلال الاجتماعي. يشعر المضطرب بسبب ذلك بالمتعة والرفاهية وهو يؤذي الآخرين.
أعراض اضطراب الاعتلال الاجتماعي
يتميز الاعتلال الاجتماعي عن غيره من الاضطرابات النفسية بأن أعراضه غالبًا تكون نفسية سلوكية بحتة، وليس أعراض جسدية على الأغلب. عادةً ما يتم الخلط بين هذا الاعتلال وبين اضطراب الشخصية النرجسية لأن لهما بعض الأعراض المتشابهة. من أعراض الاعتلال الاجتماعي:
- عدم التمييز بين الصواب والخطأ، وبين العدو والصديق.
- الهيجان الدائم وعدم القدرة على السيطرة على النفس.
- الرغبة دائمًا في الشجار مع الآخرين حتى لأسباب تافهة، وأخذ كل الأمور بشكل شخصي.
- محاولة ابتزاز الآخرين عاطفيًا بشكل دائم.
- تحقير وتهميش كل الناس، وحتى أولئك الناجحين منهم.
- الصراخ بعنف على الآخرين، وأذيتهم في الأعماق.
- الشعور بالمتعة والإثارة عند أذية الآخرين.
- عدم الشعور بأي مسؤولية تجاه الأطفال أو العائلة، وعدم الرغبة في الالتزام بأي أمور هامة في الحياة العائلية.
- عدم فهم الآخرين أو حتى التفكير في فهمهم والجلوس معهم على طاولة الحوار.
- كذلك، لا يسدد المصابون بهذا الاعتلال ديونهم أو يماطلون كثيرًا في تسديدها.
- لا يلتزم المصابون بهذا الاضطراب بالعمل، أو بالدراسة، أو بشيء مهم في الحياة، وليست لديهم أحلام أو طموحات حقيقية.
- نوبات الغضب الشديدة.
مضاعفات الاعتلال الاجتماعي
بطبيعة الحال، فإن لهذا الاضطراب مضاعفات خطيرة للغاية. في الحقيقة إن اضطراب الاعتلال الاجتماعي يصعب جدًا السيطرة عليه، لأن المصابين به لا يرغبون أصلاً في السيطرة على أنفسهم ولا يريدون ذلك. كما أن المضاعفات تسبب الأذية للآخرين على مدى واسع، أي أن الأذية لا تنحصر فقط على المصاب بالاعتلال. من هذه المضاعفات:
- أذية الآخرين جسديًا في حوادث مؤلمة.
- دخول المصاب بالمرض إلى السجن.
- إصابة الآخرين بأمراض نفسية، قد تسبب لهم في ما بعد مرض الاكتئاب، أو اضطراب ما بعد الصدمة.
- إدمان الكحول والمخدرات.
- أمراض جسدية متنوعة.
تشخيص الاضطراب
يبدأ تشخيص هذا الاضطراب عادةً من سن الطفولة وحتى المراهقة (بين ١٥-١٨ سنة) ويستمر لما بعد البلوغ. كذلك قد يموت المصاب وهو ما زال مصابًا بهذا الاضطراب بالفعل. يرتبط العنف في أسلوب الحياة، ووجود ذكريات مؤلمة، باضطراب الاعتلال الاجتماعي إلى حد كبير. بالإضافة لما تقدم، فلقد تم تسجيل ضحايا بريئين للمصابين بهذا الاضطراب، ومعظم الضحايا يكون لا ذنب لهم سوى أنهم وقعوا تحت رحمة المصابين الاعتلال الاجتماعي. يخلط الكثيرون بين هذا الاضطراب واضطرابات أخرى، كاضطراب الشخصية الانعزالية، واضطراب الشخصية النرجسية.
علاج اضطراب الاعتلال الاجتماعي
مما تقدم، نستطيع أن ندرك أن الاعتلال الاجتماعي يصعب جدًا علاجه، بل يستحيل في أغلب الأحيان. تكمن أسباب صعوبة العلاج في أن المضطرب نفسه لا يرغب في التغيير الذاتي، وهو ذو سلوك عنيف جدًا ولا يمكن السيطرة عليه. كما أن العلاج الدوائي لا ينفع في أغلب الأحيان مع مضطرب الاعتلال الاجتماعي، لأن هذا الاضطراب ناتج عن طريقة في التفكير نفسه، وعن قناعة راسخة، وليس عن حالة اكتئاب معينة. من سبل العلاج:
العلاج الدوائي
كما قلنا، فالعلاج الدوائي غير نافع في أغلب الأحيان، لكن رغم ذلك يُلجأ للعلاج الدوائي من خلال هذه الأدوية:
- مضادات الاكتئاب (Antidepressant)
- مضادات الذهان
- محسنات المزاج
- مضادات القلق
العلاج النفسي
يظن المضطرب بأنه بأذيته للآخرين يفعل شيئًا عاديًا وسليمًا، بل إنه لا يعترف بأنه يقوم بشيء سيء. كما أن المصاب يجد المبررات دومًا لأذيته للآخرين ولنفسه. انطلاقًا من ذلك، فإن العلاج النفسي يتطلب صبرًا طويلاً. في الحقيقة، لا يتم العلاج النفسي إلا إذا حصل وتغير المضطرب جذريًا في طريقة تفكيره. قد يمر في حالات نادرة بحوادث جيدة تغير سلوكه مستقبلاً، خاصةً إذا تغيرت حياته نحو الأفضل. من الأفضل أن يقرأ المضطرب الكتب وبالأخص الأدب والرويات. كذلك يفضل أن يشاهد الأفلام النفسية، وأن يلعب بالألعاب وأن يسافر لأماكن مختلفة ويكوّن صداقات جديدة. كذلك، فإن التعامل مع ظروف الحياة المختلفة قد يجعل منه ناضجًا ويغيره، لكن فقط إذا امتلك المقومات لذلك. وعمومًا، يصعب علاج الاعتلال الاجتماعي رغم كل ما تقدم.
بذلك؛ نكون قد تعرفنا على اضطراب الاعتلال الاجتماعي وحددنا جذوره النفسية وأسبابه المختلفة، كذلك نكون قد ألمّينا بأعراضه التي تدل حكمًا على الإصابة به. إن ظروف الحياة القاسية والتجارب المؤلمة عند بعض الأشخاص تجعل منهم أسوأ وتمنحهم حياة سيئة، وقد لا يفلح الكثير منهم في إيجاد الطريق السوي والسليم. مع ذلك، يجب علينا الاهتمام بصحتنا النفسية، وسبر أعماق النفس البشرية، لتحديد الصواب من الخطأ، والسير على الطريق السليم.