-

الانفجار العظيم

الانفجار العظيم
(اخر تعديل 2024-09-09 15:29:20 )
بواسطة

الانفجار العظيم، (Big Bang)، إنه الانفجار الذي أعلن ولادة الوجود! من حيث الفراغ والعدم، من نقطة فردانية منفردة. لا متناهية في الانسحاق، فائقة الكثافة، شديدة الحرارة والانضغاط، في مخاض كوني عظيم هائل، ليس له مثيل، ولا وصف، ومنه ابتدأ خلق الأجرام السماوية والأجسام! وليبتدأ بعدها الوجود الكوني في اصطفاف دقيق مذهل لتلك الأجرام العظيمة. فما هي نظرية الانفجار الكبير؟ وما هي النقطة الفردانية أو المنفردة؟

المعنى الدقيق لمصطلح الانفجار العظيم

للوهلة الأولى، وحين سنسمع بمصطلح الانفجار العظيم، سيخطر على بالنا فوراً، أن جسماً كونياً هائل الحجم انفجر! وأن بقايا شظايا الجسم صنعت هذا الكون المهيب! إلا إنه ليس كذلك! في الواقع، إن الانفجار العظيم، ما هو إلا مخاض كوني هائل، أعلن ولادة كون صغير من رحم نقطة صغيرة لا متناهية الانسحاق، كجنيناً خرج تواً إلى الحياة، وليبتدئ بعدها في النمو على مراحل أغلبها لازالت مجهولة لنا، ومن ثم ليكبر أكثر، وأكثر، حتى وصل إلى حجمه الحالي، الفضاء الذي نعرفه اليوم.

فإذن، في مفهوم النظرية، ليس هو انفجاراً بمعنى الانفجار! وليس هنالك جسماً قد انفجر! فالأجسام كانت غير موجودة أصلاً، إنما تحاول تلك النظرية أن تتنبأ بآلية ( بدء كون خَلقِ من العدم! بالضبط )، وكيفيه انتشاره في جميع الاتجاهات في ذات التوقيت. هذا يجعلنا ندرك أن الكون لم يأتِ من الزمان والمكان ذاتيهما! بل الزمان والمكان هما في الحقيقة واحد من عناصره الكثيرة، التي تولدت من رحم تلك النقطة الفردانية بعد الإنفجار الكبير.

ابتداء الكون من نقطة

كل هذا الفضاء الكوني الهائل الحجم، الشديد التعقيد والدقة، الصارم النظام، ابتدأ من نقطة؟! تلك النقطة الغامضة، التي أتعبت العلماء بأسرارها، وأغرقتهم في حيرتهم، وفي معضلات التكهن والتنبأ، ولذلك اسموها النقطة الفردانية أو المنفردة! ليضعوا لأنفسهم خطوات أولى لمحاولات فهمهم لهذا الكون المهيب، فما سرها تلك النقطة المنفردة، التي كانت قبل أن تكون المادة، والطاقة، وقبل يكون الزمان، وحتى المكان. قبل أن يكون الوجود كله.

نظرية الانفجار العظيم

في الحقيقة، إن نظرية الإنفجار العظيم هي النظرية التي قدرت عمر هذا الكون ما بين [13.8 و 14] مليار سنة! والتي أعتمدها العلماء لتحديد عمر الكون الأول بشكل تقريبي، وحتى يومنا هذا تسيطر تلك النظرية على الساحة العلمية بين العلماء، لأنها الأقوى بين كل النظريات التي حاولت افتراض بدايات الكون! والتي قسمها العلماء على مراحل حتى وصل الفضاء الكوني إلى شكله الحالي. ولكن لنتعرف أولاً على النظرية.

الثواني الأولى في الانفجار العظيم

في مراحل الكون الأولى، كان هنالك نقطة في حالة ساكنة! شديدة الانضغاط، فائقة الكثافة، لا متناهية في الصغر، والكتلة، والطاقة، والحرارة، والانسحاق! تدعى النقطة الفردانية أو المنفردة! وحتى اليوم لا يعرف العلماء ماهيتها، وما أصلها، وما كان قبلها إن كان لها قبل! نقطة كانت، حين كان الزمان ذاته مساوٍ [للصفر]! ومنها ابتدأ الكون! وفي حدث هائل عظيم لازالت حتى اليوم مجهولة أسبابه، انفجرت تلك النقطة الساكنة لسبب ما! لتطلق حرارة شديدة، شديدة، لا توصف، ولتكون بعدها اللحظة الأولى من الانفجار الكبير. لحظة قدرها العلماء بأجزاء ضئيلة من الثانية، والتي حتى تاريخنا هذا، تعجز كل قوانين الفيزياء بكل ما وصلت إليه من تقدم، أن تقدم شرحاً عقلياً مقنعاً لتلك اللحظة الأولى من الانفجار.

قوى الكون الأربع

  • الكهرومغناطيسية Electromagnetism.
  • النووية الضعيفة Weak Nuclear.
  • النووية القوية Strong Nuclear.
  • والجاذبية Gravity.

تشابكت معاً متحدة في قوة واحدة عظيمة لا تقدر بحجم من شدتها! ثم! بعد فترة قصيرة جداً، جداً، تقاس بالأجزاء من الثانية، انخفضت الحرارة بشكل كبير لايصدق، مما أدى إلى انفصال قوة الجاذبية عن القوى الثلاث الباقية. ومن هذا الحدث الذي لاكلمات تصفه! بدأ الكون يتمدد بسرعات هائلة ومذهلة لايستطيع بصر احتواءها ولا حتى عقل استيعابها! وكل هذا كان مزامناً لانخفاض الحرارة في ذات الوقت، لتبتدئ بعدها أولى مظاهر الوجود الكوني، من خلال ظهور العناصر الأولية لأجسام الكون، ومن ثم يستمر بعد ذلك بانخفاض حرارته، لتتقارب تلك العناصر وتتضارب ببعضها، أو تتكتل على بضعها البعض لتلتحم في اندماجات فائقة القوة.

المشهد في تلك اللحظة كان مهولاً! أجسام وأضواء وإشعاعات، عناصر تبقى وعناصر تفنى في احتراقاتها، كما حفلات الألعاب النارية الضخمة، فكيف إن كان كل هذا الحفل كونياً؟! هل تستطيع حقاً أن تتخيل؟! هل يستطيع عقلك استيعاب حجم هذا الحدث؟!

تشكل الأجرام المجرات وأجرامها السماوية

لم يتوقف الحدث عند هذه اللحظة، بل أكملت العناصر اندماجاتها وتفاعلاتها في انصهارات لا مثيل لها، ولتتشكل نتيجة لذلك، عناصر أثقل خلال تلك الانصهارات الهائلة في نواة أولى للكواكب والنجوم المشتعلة، وكل الأجرام السماوية التي يحتويها الفضاء اليوم! ومن ثم لتتجمع تلك الأجرام السماوية، في داخل المجرات بانتظامٍ كوني، أعجز العلماء عن صوغ معادلات فيزيائية تعطي دقته، وأعجزهم أيضاً عن إيجاد وصفاً لعظمته.

لقد كان العلماء يقفون صامتين مذهولين أمام تفاصيل نظرية الانفجار الكبير، كأطفال يحضرون حفلاً مبهراً بتتالي بفقراته، ولازالوا إلى يومنا على ذات وقفتهم أمامه صامتين مذهولين! فلقد ارتصفت الأجسام الكونية واصطفت بداخلها، في تنظيم دقيق ومذهل في آن واحد. وليخلق من بعدها الفضاء الكوني! ويغدو الكون على شكله الحالي. ذلك الفضاء الشاسع العميق البعيد المدى، الشفاف، الساحر، المزين بكل تلك الأجرام السماوية والأضواء المبهرة.

مراحل تطور الانفجار العظيم

في الواقع هنالك مراحل علمية كثيرة معقدة تبلغ الأحد عشرة مرحلة تقريباً، هذا عدا تشعبات تلك المراحل، فلكل مرحلة تشعب مراحل يتبعها، لكننا سنكتفي بالمراحل الوصفية فقط:-

  • مرحلة الانفجار العظيم من النقطة الساكنة الشديدة الكثافة، (النقطة الفردانية أو المنفردة).
  • مرحلة التضخم.
  • من ثم مرحلة العصور المظلمة.
  • تبدأ المرحلة الأولى لبداية ظهور الأجرام السماوية بكل تصنيفاتها، من نجوم وكواكب وأقمار، وكل جسم كوني يسبح في الفضاء، حتى الغبار الكوني منها.
  • من ثم المرحلة، التي تجمعت تلك الأجرام السماوية وتصنيفاتها واصطفافها المذهل في مجرات.
  • لنصل لمرحلتنا الحالية، الفضاء الكوني اليوم، والتي لازالت مستمرة ولا نملك الحديث عنها، لأنها على استمرارية في التمدد، والتوسع السريع بفعل المادة والطاقة السوداء المظلمة!

الأدلة على صحة النظرية

يقول العلماء، إن أي شيء يتمدد ويأخذ بالاتساع، لابد حتماً أن تبتعد نقطته الأولى التي ابتدأ منها، وهذا ما لاحظه العلماء في ما يسمونه ( إشعاع الطول الموجي)، والذي يتحول للون الأحمر تدريجياً كلما ابتعد الجسم، أو كلما كان أكثر بعداً بطبيعته، وهو فعلاً ما رصده العلماء من خلال تتبعهم للنجوم التي يتحول طولها الموجي إلى الأحمر، وبشكل تدريجي على مر سنوات مراقبتهم للفضاء، بالتالي، لو أرجعنا التمدد للماضي للوراء.

لا شك أن الكون كان أصغر، أكثر انضغاطاً وأكثر حرارة! حتى وصل لنقطه انفجاره الأولى، النقطة الفردانية، والتي تركت وراءها إشعاعاً كبيراً يدعى، ( إشعاع الخلفية الميكروني الكوني )، ذلك الإشعاع الذي يأتي الأرض ويطرق باب كرتنا الأرضية بشكل متجانس، وعلى كل جهاتها، كما تنبأت نظرية الانفجار العظيم تماماً، هذا عدا أن كمية الهليوم والهيدروجين حالياً تتوافق مع تنبأ تلك النظرية.

ثغرات في نظرية الانفجار العظيم

ككل النظريات التي تخضع للفرضيات التكهنية لاستحالة معاينتها بشكل عملي، نتيجة أنها حدث بعيد، يعادل بالمسافة الزمنية [14] مليار عاماَ! هذا عدا عن كونها حالات انصهارات، واندماجات، واشعاعات، وكل قضايا الفيزياء مجتمعة، فيستحيل أن يكون بشرياً فيها، أو قريباً منها، لو بمقدار ملايين السنوات بل وأكثر. لذلك، فإن نظرية الانفجار العظيم لابد لها أن تقع في ثغرات المجهول والفرضيات، أصعبها وأكثرها حيرة وإرهاقاً للعلماء، أنهم لايملكون تفسيراً لما يقارب تسعون بالمائة [90%] من قوة الجذب في الكون، ولا معرفة سرها، وما هو سببها، ومن الذي يدفع بها للأمام لتصنع هذا التمدد والاتساع؟!

وهذا ما اضطر العلماء إلى وضع فرضية، أسموها المادة والطاقة السوداء أو المظلمة، والتي نسبوا إليها، العمل على دفع هذا الكون للتمدد والاتساع بسرعة وقوة عظيمة، وأيضاً نسبوا إليها تزايد السرعات في كل ثانية تمر، إنما! ورغم هذا لم يكتشف العلماء لا المادة المظلمة ولا الطاقة، ولتبقى المادة والطاقة المظلمة حبيسة الفرضيات والتكهنات والتنبؤ العلمي!

هل هذا الكون أبدي خالد؟!

هل سيتوقف الكون عن التمدد والاتساع وولادة الأجرام السماوية؟ أم هو سيستمر إلى ما لانهاية متدفقاً في توسعه؟

  • بالمنطق العلمي الفيزيائي، سيتوقف حتماً.
  • بالمنطق الانساني، كل ما له بداية حتماً له نهاية.
  • أما بالمنطق الإلهي، كلُّ من عليها فان.

فالطاقة المظلمة، التي تدفع الكون للحياة ستنفذ إن عاجلاً أم آجلاً، خاصة بعدما اكتشف العلماء أن الأجرام السماوية بنجومها المشتعلة والكواكب تنكمش وتنفجر، وهذه حقيقة وليست نظرية كالانفجار العظيم، فلقد رصدها العلماء، إنما ورغم واقعيتها، لا فكرة لديهم عن كيفيه انتهائه، وهل سيفاجئهم ككل مرة! فحتماً لابد أن يأتي يوماً ما ويقف الكون ساكناُ عاجزاً عن إكمال تدفقه، وينكمش كطفل صغير على ذاته، ليفنى في موته؟! فهل سينتهي الكون إلى انفجار عظيم كما ابتدأ بانفجار عظيم؟! وكما ابتدأ من العدم بالضبط، سينكفئ إلى الخلف عائداً مندثراً إلى حيث نقطته الأولى، ومن ثم يصغر، ويصغر، ويصغر، ليتلاشى وينطفئ في العدم؟!

كل شيء مصيره إلى زوال، حتى هذا الفضاء الكوني العظيم. لكن! ورغم هذا تبقى نظرية الانفجار العظيم، هي الأقوى لتماسك فرضياتها فيزيائياً.

وكلما ظننا أننا وصلنا للمعرفة! رفع الكون طرف حاجبه ساخراً، ثم قلب صفحة جديدة من كتاب أسراره وخباياه، وأخرج لنا جانباً آخراً! ليتدفق فيض نور جديد من الأسرار الكونية! فلا نكاد نتملص بصعوبة، من بين ازدحام الفضاء الكوني بالتفاصيل الهائلة الحجم، حتى نقع في غموض نظرية، ولا نكاد نفلت من نظرية، نقع في أخرى. وإن أفلتنا من بين إرباكات الانفجار العظيم والنقطة الفردانية المحيّرة، يأتي آينشتاين ونظريته النسبية، ويربكنا من جديد بالزمكان وبما أطلق اسم نسيج الكون!